نمل

“حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”

نبدأ بقصة زمانها: عهد الملك سليمان عليه السلام، ومكانها: قرب مملكة النمل، قصة روتها ونقلتها آيات معجزات وقرآن يتلى من كتاب الله عز وجل إلى يوم تقوم الساعة..قال تعالى: “وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ .حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” (النمل:17-19)

تصف الآيات الكريمة موكب سليمان المهيب وحوله جنده من الجن والإنس والطير لحظة اقترابهم من وادي النمل، ثم بيان قصة تلك النملة التي انتبهت لخطر قدوم موكب سليمان عليه السلام، وتحذيرها لقومها وتنبيهها لهم من تحطيم الموكب لهم وهم لا يشعرون.

الإعجاز العلمي:

  • ذكر القرآن كلمة نملة بلفظ المؤنث: { قَالَتْ نَمْلَةٌ}.

فقد ثبت علمياً أن النملة الأنثى العقيمة هي التي تقوم بأعباء المملكة من خروج للعمل وجمع الطعام ورعاية الصغار والدفاع عن المملكة، أما النمل الذكر فلا يظهر إلا في فترة التلقيح ولا دور له إلا تلقيح الملكات.

  • وجود لغة تفاهم بين أفراد النمل : “قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ”

صراع النمل

من العجيب أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرة لا تنتمي إليها، فإن النمل في هذه المستعمرة يتعرف عليها عن طريق رائحتها ويعدها عدواً، ثم يبدأ في الهجوم عليها

فقد اكتشف العلماء أن للنمل لغات تفاهم خاصة بينها وذلك من خلال تقنية التخاطب من خلال الشفرات الكيماوية، وربما كان الخطاب الذي وجهته النملة إلى قومها هو عبارة عن شيفرة كيماوية؛ ففي عالم النمل تتميز كل نملة برائحة خاصة[1] تدل على العش الذي تنتمي إليه، والوظيفة التي تؤديها في هذا العش حيث يتم إنتاج هذه الفرمونات من غدة قرب الشرج.

وقد وجد أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرة لا تنتمي إليها، فإن النمل في هذه المستعمرة يتعرف عليها عن طريق رائحتها ويعدها عدواً، ثم يبدأ في الهجوم عليها، ومن الطريف أنه في إحدى التجارب المعملية وجد أن إزالة الرائحة الخاصة ببعض النمل التابع لعشيرة معينة ثم إضافة رائحة خاصة بنوع آخر عدو له، أدى إلى مهاجمته بأفراد من عشيرته نفسها.

وفي تجربة أخرى تم غمس نملة برائحة نملة ميتة ثم أعيدت إلى عشها فلوحظ أن أقرانها يخرجونها من العش لكونها ميتة، وفي كل مرة تحاول فيها العودة يتم إخراجها ثانية على الرغم من أنها حية تتحرك وتقاوم. وحينما تمت إزالة رائحة الموت فقط تم السماح لهذه النملة بالبقاء في العش.

وحينما تعثر النملة الكشافة على مصدر للطعام فإنها تقوم على الفور بإفراز “الفرمون” اللازم من الغدد الموجودة في بطنها لتعليم المكان ثم ترجع إلى العش، وفي طريق عودتها لا تنسى تعليم الطريق حتى يتعقبها زملاؤها، وفي الوقت نفسه يضيفون مزيداً من الإفراز لتسهيل الطريق أكثر فأكثر.

ومن العجيب أن النمل يقلل الإفراز عندما يتضاءل مصدر الطعام ويرسل عدداً أقل من الأفراد إلى مصدر الطعام، وحينما ينضب هذا المصدر تماماً فإن آخر نملة وهي عائدة إلى العش لا تترك أثراً على الإطلاق.

وهناك العديد من التجارب التي يمكن إجراؤها على دروب النمل هذه، فإذا أزلت جزءًا من هذا الأثر بفرشاة مثلاً، فإن النمل يبحث في المكان وقد أصابه الارتباك حتى يهتدي إلى الأثر ثانية، وإذا وضعت قطعة من الورق بين العش ومصدر الطعام فإن النمل يمشي فوقها واضعاً أثراً كيماوياً فوقها.

وحينما تلتقي نملتان فإنهما تستخدمان إلى جانب الرائحة المميزة قرون الاستشعار؛ وهي الأعضاء الخاصة بالشم، لتعرف الواحدة الأخرى.

  • ذكاء النمل:

دماغ النملة

تتكون دماغ النملة من فصين رئيسيين يشبهان مخ الانسان، ومن مراكز عصبية متطورة وخلايا حساسة

لقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة علمية كبيرة وهي ذكاء النمل وقدرته على المحاكمة العقلية والفكرية ومواجهة الأخطار وذلك من خلال هذه القصة التي حدثت مع نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فقد استطاعت نملة صغيرة من تحديد مكان سليمان والطريق الذي سوف يمر به، وهذا لم يكن ليتم لولا هذه القدرات الخارقة التي يتمتع بها النمل.

ولقد كشف العلم الحديث عن بعض العجائب من سلوك النمل الذكي وتطور جهازها العصبي فعند دراسته تحت المجهر يظهر لنا أن دماغ النملة يتكون من فصين رئيسيين يشبهان مخ الانسان، ومن مراكز عصبية متطورة وخلايا حساسة.

واعلم: أن الله تعالى لم يذكر النمل في القرآن الكريم إلا ليلفت انتباهنا إلى عظمة وروعة هذه الكائنات التي يحسبها الانسان مخلوقات تافهة، ولكنها بحق مخلوقات منظمة ذات قدرات خارقة، تعمل ضمن خطة عمل واضحة حيث يتوزع العمل على أفراد الخلية، فيقوم كل فرد من أفراد المملكة بواجبه على أكمل وجه من خلال البرنامج الفطري الذي أودعه الله تعالى في دماغه.

الهامش:

[1] – فقد أثبتت أحدث الدراسات العلمية أن لكل نوع من أنواع الحيوانات رائحة خاصة به، وداخل النوع الواحد هناك روائح إضافية تعمل بمثابة بطاقة شخصية أو جواز سفر للتعريف بشخصية كل حيوان أو العائلات أو أفراد المستعمرات المختلفة.

ولم يكن عجيباً أن نجد أحد علماء التاريخ الطبيعي وهو(رويال وكنسون) قد صنف كتاباً مهماً جعل عنوانه “شخصية  الحشرات”.

والرائحة تعتبر لغة خفية أو رسالة صامتة تتكون مفرداتها من مواد كيماوية أطلق عليها العلماء اسم “فرمونات” وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الروائح  “فيرمونات”، فالإنسان يتعرف على العديد من الروائح في الطعام مثلاً ولكنه لا يتخاطب أو يتفاهم من خلالها، ويقصر الباحثون استخدام كلمة “فرمون” على وصف الرسائل الكيماوية المتبادلة بين حيوان من السلالة نفسها. وعليه فقد توصف رائحة بأنها ” فرمون”  بالنسبة إلى حيوان معين، بينما تكون مجرد رائحة بالنسبة لحيوان آخر.

_______________________________________

المصدر: كتاب آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1، 2008، ص:185:191 بتصرف.

[ica_orginalurl]

Similar Posts