إسلام ويب

الإسلام دين الله، وهو خاتم أديان السماء، فلا عجب أن يكون مثاليا في جميع تشريعاته، وكافة تنظيماته، لن نجد له مثيلا في تناسق نظمه وتشريعاته، وانسجام تعاليمه.

على الفرد مسئولية تجاه مجتمعه

على الفرد مسئولية إصلاحية تجاه مجتمعه

والنظام الاجتماعي -أحد أنظمة الإسلام- غايته إيجاد المجتمع المتكامل في جميع جوانبه، المحقق لرضا ربه، المستحق لسعادة الدارين.. وذلك بأن يكون مجتمع المسلمين مجتمعا نظيفا في كل جوانبه، بعيدا عن الفواحش في كل زواياه، سليما من الآفات خليا عن المنكرات؛ فإن وقع شيء من ذلك فينبغي أن يكون شذوذا عن الأصل، محارَبا من كل أفراد ومؤسسات المجتمع المسلم.

ولا يمكن للمجتمع أن يبلغ هذا المبلغ إلا إذا تحمل كل فرد فيه مسئوليته، ولذلك كانت المسؤولية مشتركة بين أنظمة الدولة وقياداتها وأصحاب التوجيه فيها، وبين أفراد المجتمع باختلاف مناصبهم وأقدارهم..

القرآن والإصلاح

حث القرآن أفراد المجتمع على السعي في إصلاحه ونهاهم عن الإفساد فيه فقال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، وقال سبحانه: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} (الأعرف: 56).

وأخبر أن هذه صفة المؤمنين اللازمة لهم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71).

والمعروف الذي يأمرون به هو اسم جامع لكل ما طلبه الشرع، والمنكر الذي ينهون عنه: هو كل ما نهى الشرع المطهر عنه، ويدخل في ذلك بداهة كل ما يصلح المجتمع ويطهره من الفساد.

وهو أمر يتوارثه أهل الإيمان ويوصي به كبيرهم صغيرهم كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (لقمان: 17).

وقد ذم القرآن المفرطين في العمل على الإصلاح والدعوة إليه حتى هلك قومهم فقال: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} (هود: 116).. أي: هلا كان منهم أصحاب طاعة ودين وعقل ينهون قومهم عن الفساد في الأرض؟.

الإصلاح في السنة

جاء في السنة أحاديث كثيرة تقرر مسئولية الفرد عن إصلاح المجتمع، وأوضحها وأشهرها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ. وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ”.

فالمسلم يسعى ما أمكنه لدفع الشر ومنعه وتغييره طاقته، فإن لم يقدر على إزالته كرهه بقلبه، ولم يرض عنه، ولم يقبل به؛ وهذا وإن كان أضعف الإيمان إلا أنه لازم؛ لأن كراهية المنكر هي أولى منازل السعي لإنكاره متى أمكن ذلك، فإن لم يتمكن كان قد أدى ما عليه.

مسئولية الفرد.. لماذا؟

لماذا يطالب الفرد بإصلاح المجتمع مع مطالبته بإصلاح نفسه؟

إن لهذا أسبابا كثيرة.. منها:

أولا- أن البيئة مؤثرة:

فتصح نفس المرء وتمرض، ويقوى دينه أو يضعف تبعا لحال المجتمع الذي يعيش فيه.. فكلما كان المجتمع طاهرا صالحا، كلما عم الصلاح والطهر قلوب أهله، والعكس بالعكس.

ثانيا- صلاح المجتمع ضرورة:

لأن الله خلق الخلق لغاية هي عبادته بمعناها الشمولي، فتكون أقواله وأفعاله وأحواله وتصرفاته وعلاقاته الظاهرة والباطنة على وفق هذه الغاية وذاك المقصد، ولن يستطيع أن يصوغ المرء حياته ويصبغها بهذه الصبغة إلا إذا كن المجتمع الذي يعيش فيه منظما ومقاما على نحو يسهل عليه هذه الصياغة بأن يكون مجتمعا إسلاميا صالحا..

ومن ثم أمر المسلم بالهجرة من المجتمعات الكافرة وعدم الإقامة بها أو الإقامة بين ظهراني المشركين حيث لا يتمكن من إقامة شعائر دينه ويعلن بها إلى مكان يمكنه فيه عبادة الله كما أمره. ولهذا كانت أولى مهمات الدولة المسلمة أن تقيم هذا المجتمع {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج: 41).

ثالثا- النجاة من العقاب الجماعي:

فإن تقاعس الأفراد عن القيام بواجب الإصلاح والنهي عن الإفساد يعرّض الجميع لخطر العقوبة الجماعية التي تعم الكل ولا تستثني أحدا ولا حتى أهل الصلاح منهم.. قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25).

قال ابن عباس: “أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب”.

وقال ابن كثير: “يحذر الله تعالى عباده المؤمنين فتنة، أي اختبارا ومحنة، يعم بها المسيء وغيره ولا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب بل يعمها”.

وارتباط النجاة بالإصلاح لا بالصلاح، وهو أمر معلوم من القرآن والسنة والتاريخ كما أخبر الله تعالى عن القرية التي كانت حاضرة البحر فقال: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف: 165).

وفي سورة هود قال سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: 117)، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله: “أنهلك وفينا الصالحون؟” قال: “نعم إذا كثر الخبث” (متفق عليه). فدل على أن وجود الصالحين لا يمنع من نزول البلاء وحلول النقمة ما لم يكونوا يأمرون بالصلاح والخير، وينهون عن الفساد والشر.

وحديث النعمان بن بشير واضح الدلالة على هذا حيث يقول عليه الصلاة والسلام: “مثلُ القائمِ على حدودِ اللَّهِ والواقعِ فيها كمثلِ قومٍ استَهموا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعلاَها وبعضُهم أسفلَها، فَكانَ الَّذينَ في أسفلِها إذا استقوا منَ الماءِ مرُّوا على من فوقَهم. فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يترُكوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا” (رواه البخاري).

فمجرد الصلاح الفردي دون العمل على الإصلاح لا يكفي لحفظ الأمم والمجتمعات، وهو عين ما أراد أبو بكر رضي الله عنه أن يوصل فهمه للناس حين قال: “أيُّها الناسُ إنَّكم تقرؤونَ هذهِ الآيةَ {يَا أَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: “إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيهِ أوشكَ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ منهُ” (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).

فهذه مهمة الفرد المسلم العامة بعد أن يقوم بمهمته الخاصة في إصلاح نفسه وتزكيتها وتهذيبها.. فعلى كل فرد أن يضطلع بهذه المهمة المنوطة به، ويقوم بها أتم القيام إذا أراد أن يكون مجتمعه مجتمعا صالحا يرضي الرب ويسعد الخلق..

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

[ica_orginalurl]

Similar Posts