إعداد/ فريق التحرير
الصدق

لا شك أن عمل القلب هو روح العبودية ولبُّها فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح.

أعمال المسلم متنوعة كثيرة منها عمل القلب كالمحبة لله تعالى، والتوكل عليه، والإنابة إليه والخوف منه والرجاء، وإخلاص الدين له، والصدق، ومنها عمل الجوارح كالصلاة والجهاد والإحسان إلى الخلق وغيرها.

 ولا شك أن عمل القلب هو روح العبودية ولبُّها فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح، لأن المقصود بالأعمال كلها ظاهرها وباطنها إنما هو صلاح القلب وكماله وقيامه بالعبودية بين يدي ربه.

وهناك ارتباط بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب يعلم ذلك من تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما؟! وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه؟

وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت فالإيمان واجب القلب على الدوام والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان.

وأصل أعمال القلوب كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب.

فمن خلال ما سبق يعلم المرء أن منزلة الصدق هي من أعظم منازل السائرين إلى الحق تبارك وتعالى، بل هي الأساس لهذه المنازل وهي عنوان للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة فمن رام النجاة فعليه بالصدق في الأقوال والأحوال، وهو الذي يتميز به أهل الإيمان عن غيرهم من أهل النفاق.

يقول ابن القيم -رحمه الله- وهو يتحدث عن منزلة الصدق: (وهي منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين…).

وفي هذه المقالة سنتحدث إن شاء الله – تعالى- عن هذه المنزلة العظيمة وأهميتها، وما ورد فيها من الفضل، وحقيقة الصدق، والدواعي الداعية للتحلي بها، وكونها من أهم صفات أهل الإيمان والتقوى، وما فيه من الفوز والفلاح.. مبتدئين الحديث كما هي العادة عن التعريف فنقول:

تعريف الصدق:

الصدق هو نقيض الكذب يقال صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً وصِدْقاً، وصدَقَه الحديث أَنبأَه بالصِّدْق.

وفي اصطلاح أهل الحقيقة:

الصدق: هو قول الحق في مواطن الهلاك، وقيل أن تصدق في موضع لا ينجيك منه إلا الكذب.

ويفرق بين الصدق والإخلاص: بأن الصدق أصل وهو الأول، والإخلاص فرع وهو تابع.

وفرق آخر وهو أن الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل.

فضائل الصدق:

1- صدوق اللسان من أفضل الناس:

فقد أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: (كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللسان)، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي، الذي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد).

2- الصدق سبب لنزول البركة:

ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدَقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذَبا مُحِقَتْ بركة بيعهما).

3- الصدق سبيل لدخول الجنة:

قال تعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ” (آل عمران: 15 – 17).

4- الصدق أصل البر، والكذب أصل الفجور

كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدُقُ ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب؛ فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا) رواه البخاري ومسلم.

5- انتفاء صفة النفاق عن الصادقين

ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مَن كُنَّ فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان) رواه البخاري ومسلم

6- تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، والنجاة من المُهلِكات

كما يدل على ذلك قصة أصحاب الغار التي أخرجها البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، وفيها أنه قال بعضهم لبعض: (…إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدقُ، فليدعُ كلُّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه)، فدعا كل واحد منهم ربَّه بما عمِله من عمل صدَق فيه لله، وأخلص له فيه، فكان أن جاء الفرج، ففرج لهم فرجة بعد أخرى، حتى خرجوا من تلك المحنة.

ونرى في سيرة السلف الصالح حرصَهم الشديد على الصدق، فهذا الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول: عقدتُ أمري منذ طفولتي على الصدق، فخرجتُ من مكة إلى بغداد لطلب العلم، فأعطتْني أمي أربعين دينارًا لأستعين بها على معيشتي، وعاهدتْني على الصدق، فلما وصلنا أرضَ همدان، خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة كلها، وقال لي واحدٌ منهم: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا، فظن أني أهزأ، فتركني وسألني آخر، فقلت: 40 دينارًا، فأخذهم مني كبيرهم، فقال لي: ما حملك على الصدق؟ فقلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فأخذت الخشيةُ رئيسَ اللصوص، فصاح وقال: أنت تخاف أن تخون أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله؟ ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائبٌ على يدك، فقال مَن معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعًا بسبب الصدق.

7-  التوفيق لكل خير

كما يدل عليه قصة كعب بن مالك في تخلُّفه عن تبوك، كما في البخاري ومسلم، وفيها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لكعب: (ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرك؟)، قال: قلت: يا رسول الله، إني والله، لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطِه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً – أي: فصاحةً وقوة في الإقناع – ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتُك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه – أي: تغضب عليَّ فيه – إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أمَّا هذا، فقد صدق)، فلما صدق مع الله ومع رسوله، تاب الله عليه، وأنزل فيه وفي صاحبيه آيات تتلى إلى قيام الساعة، فقال – تعالى -: “لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ” (التوبة: 117) إلى قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” (التوبة: 119) رواه البخاري ومسلم.

8-  حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة

قال – صلى الله عليه وسلم -: (إن الصدقَ يَهدِي إلى البرِّ، وإن البر يَهدِي إلى الجنة) رواه البخاري ومسلم.

9- ثقة الناس بالصادقين، وثناؤهم الحسن عليهم

كما ذكر الله -عز وجل- ذلك عن أنبيائه الكرام: “وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا” (مريم: 50).

والمراد باللسان الصدق: الثناء الحسن؛ كما فسره ابن عباس.

10-  استجلاب مصالح الدنيا والآخرة

قال تعالى: “هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ” (المائدة: 119).

11-  راحة الضمير وطمأنينة النفس

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الصدق طمأنينة، والكذب ريبة) رواه الترمذي.

12-  الفوز بمنزلة الشهداء

قال – عليه الصلاة والسلام -: (مَن سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) رواه مسلم.

____________________________________

المراجع:

  • شبكة الألوكة الشرعية

http://www.alukah.net/sharia/0/90787/

  • صيد الفوائد

https://saaid.net/rasael/783.htm

  • موقع جامعة الإيمان

http://www.jameataleman.org/main/articles.aspx?article_no=1065

[opic_orginalurl]

Similar Posts