يفسر الماديون هذا الكون المعجز بكل ما فيه بالصدفة، كما قال جورج والد، فلو وجد اختبار لما تستطيع الصدفة أن تنتجه لنا، هذا بالفعل ما قام به الرياضي الفرنسي إيميل بوريل، حيث طرح ما سمي بالمبرهنة القرد، تقول لو أن مليون قردا طبعوا عشرات الساعات يومياً على آلة كاتبة ماذا يستطيعون أن ينتجوا لنا؟

(مقتطف من المقال)

نبيل عمر ينسي

الصدفة

كم من الوقت تحتاج القردة لتطبع كل كتب العالم، وكم قردا نحتاج لذلك؟

بادئ ذي بدء تنقسم البراهين من حيث القوة إلى أربعة مستويات، أقواها هو البرهان الرياضي وهو عبارة عن إثبات، يستند على بديهيات معينة لعبارة رياضية أو علاقة رياضية بأنها صحيحة منطقيا. يليه مباشرة البرهان العقلي، وهو عملية استدلال تهدف إلى تأكيد صدق أو كذب قضية ما، والاستدلالات التي تبنى عليها.

ثالثا البرهان التجريبي، وهو محدود جداً إذا ما قورن بالبرهان الرياضي أو العقلي، وغير كافي لو أخد وحده، ويليه مباشرةً البرهان الحسي، وهذا تم سحب الثقة منه قديماً جداً، منذ آلاف السنين؛ لأنه كثير الأخطاء ولا يمكن الوثوق به، وغالباً لا يعطي نتائج يقينية، فالعين ترى الشمس صغيرة ولكن هي تكبر عن الأرض بمليون و300 ألف مرة.

لكن للأسف، العلم المادي تم حصره في البرهان التجريبي والبرهان الحسي، رغم أن العديد من مسلماته تنطلق من أشياء تم البرهنة عليها رياضيا وعقليا، كالجاذبية والضوء مثلاً.

 يعد وجود خالق للكون من أهم نقط الخلاف بين المؤمنين والمادين، فعندما كان يستند المؤمنين إلى الإله كتفسير لأصل الكون والحياة التي فيه، كان الماديون لهم مقالة أخرى، نجد خلاصتها في قول الأحيائي المادي جورج والد حول أصل الحياة. يقول: أن بطل القصة في الحقيقة هو الزمان، الزمان الذي علينا التعامل معه للتطور الحيوي هو بليون سنة. فما نعتبره مستحيلا على أساس الخبرة البشرية لا معنى له هنا، حين يكون لدينا فترة زمنية طويلة جداً يغدوا المستحيل ممكنا،ً والممكن محتملا،ً والمحتمل مؤكداً، على أحدنا أن ينتظر فقط وسيقوم الوقت نفسه بعمل المعجزات.

فالماديون يفسرون هذا الكون المعجز بكل ما فيه بالصدفة، كما قال جورج والد، فلو وجد اختبار لما تستطيع الصدفة أن تنتجه لنا، هذا بالفعل ما قام به الرياضي الفرنسي إيميل بوريل، حيث طرح ما سمي بالمبرهنة القرد، تقول لو أن مليون قردا طبعوا عشرات الساعات يومياً على آلة كاتبة ماذا يستطيعون أن ينتجوا لنا؟

كم من الوقت تحتاج القردة لتطبع كل كتب العالم، وكم قردا نحتاج لذلك، دعونا نستبعد فكرة إنتاج كل كتب العالم، بل وحتى كتب مؤلف واحد كشكسبير، ونستبعد حتى كل رواياته، عدا رواية هاملت، ومن ثم نستبعد فصول رواية هاملت لنصل إلى عبارة المونولوج وهي “نكون أو لا نكون” ذلك هو السؤال، هل تستطيع الصدفة أن تكتب لنا هذه الجملة؟ وكم سيكون العدد المطلوب من القردة لتطبع بالصدفة هذه العبارة فقط؟

افترض أن لديك مليون قرد، يطبعون على مليون آلة كاتبة عشوائيا، وبمعدل مليون ضغطة مفتاح في الثانية، ولمدة مليون سنة. لنجعل الأمر أسهل على القردة، لنفترض أنهم يطبعون فقط باستعمال الأحرف الرومانية الكبيرة، والفراغ والفاصلة والنقطة، والفاصلة العليا، أي نسمح لها باستخدام 26 حرفاً من أحرف الهجاء، إضافة لأربع رموز، هذا يعني 30 رمزاً بدل جميع الرموز المستعملة في لوحة المفاتيح المعروفة.

وجد إيميل بوريل أن احتمال كتابتها للكلمات الست الأولى يساوي النصف فقط، بمعنى أن الصدفة لم تستطع أن تنتج لنا جملة واحدة من روايات شكسبير، لاحظ أن مليون قردا يطبعون على مليون آلة كاتبة، وبمعدل مليون ضغطة في ثانية، ولمدة مليون سنة، لم يستطيعوا كتابة جملة واحدة من روايات شكسبير، من باب أولى ألا تستطيع الصدفة خلق إنسان مكون من ستون ألف بليون خلية، أما أن يسند لها المادين خلق الأرض والشمس والكون فهذا انتحار عقلي.

وهذا ما يعني أنه لن تكفي كل الفرص الممكنة في الكون المادي لجعل قردة إيميل بوريل تطبع سطرين من مقولة هاملت عشوائيا، فضلا عن رواية هاملت كلها، إن لم نقل أعمال شكسبير كلها، فضلاً عن كل كتب العالم.

لا ننسى هنا أن نسأل الأسئلة التالية: من أين أتت الآلات الكاتبة، ومن أين أتت اللغة التي يكتبون بها، وكيف يفهمون اللغة التي يكتبونها، ومن أين أتت القردة أصلا؟


المصدر: بتصرف يسير عن مدونات الجزيرة

[ica_orginalurl]

Similar Posts