قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الجبن و الشجاعة غرائز في النَّاس، تلقى الرجل يقاتل عمن لا يعرف، وتلقى الرجل يفر عن أبيه)…

(مقتطف من المقال)

إعداد/ فريق التحرير

معنى الشَّجَاعَة لغة:

الشجاعة

الشجاعة هي الإقدام على المكاره، والمهالك، عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف، والاستهانة بالموت.

الشجاعة: شدَّة القلب عند البأس، وأصل هذه المادة يدل على جرأة وإقدام. يقال: شجُع شجاعة: اشتد عند البأس.

معنى الشَّجَاعَة اصطلاحًا:

قيل هي: (الإقدام على المكاره، والمهالك، عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف، والاستهانة بالموت).

وقال ابن حزم[1]: (حد الشجاعة: بذل النفس للموت عن الدين والحريم وعن الجار المضطهد وعن المستجير المظلوم وعن الهضيمة ظلماً في المال والعرض وفي سائر سبل الحق سواء قل من يعارض أو كثر).

وقيل: هي الصّبر والثّبات والإقدام على الأمور النّافع تحصيلها أو دفعها وتكون في الأفعال والأقوال.

والشجاعة خُلُق كريم ووصْف نبيل، يَحمل النفس على التحلِّي بالفضائل، ويَحرسها من الاتِّصاف بالرذائل، وهي ينبوع الأخلاق الكريمة والخِصال الحميدة، وهي من أعزِّ أخلاق الإسلام، وأَفخر أخلاق العرب، وهي الإقدام على المكاره، وثَبات الجأش على المخاوف، والاستهانة بالموت، إنَّها سرُّ بقاء البشر واستمرار الحياة السليمة والعيشة الرضية على الأرض، لأنَّها تَجعل الإنسان يُدافِع عن حياته؛ فالشجاعة غريزة يَضعها الله فيمَن شاء من عباده.

والشَّجاعة تَجعلُ الإنسان يَنطِق بالحقَّ، ويَتكلَّم بالصِّدق، وبها يَأمر بالمعروف، وينهى عن المنكَر؛ كما قال الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (قُلِ الحق ولو كان مُرًّا)؛ رواه أحمد، وقال – صلى الله عليه وسلَّم -: (من رأى منكم منكَرًا، فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)؛ صحيح مسلم.

وأعظم درجات الشجاعة، هي أنْ تقِف للظالِم، فتَنْهاه عن ظُلمِه، لا يخوِّفنِّك بطشُه وسلطانه، لا تَخشى إلا الله، ولا تُفكِّر إلا في مَرضاته، وترى هذه الشجاعة تتَجلَّى فيما يلي من القصة، يُروَى أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وزَّع على الناس أثوابًا، وكان الثوب يَكفي الرَّجل حتى ساقَيه، ولا يُغطِّي سائر رجليه، وأخَذ عمر ثوبًا مِثل عامَّة الناس، وصعَد المنبر، فرآه الناس في ثوب طويل، ولما افتَتح خطبته، قال: أيُّها الناس، اسمعوا وأطِيعوا، فقام أحد الحاضرين، وقال: لا سمْع ولا طاعة، فسأله عمر: ولماذا؟ فأجاب الرجل: لأنك أعطيتَنا تلك الثياب القصيرة، واستأثَرت لنفْسك بهذا الثوب الطويل، فأمَر عمر بن الخطاب ابنه عبدالله أنْ يَرُدَّ على هذا الرجل، ويُبيِّن له الحقيقة، فقام عبدالله بن عمر – رضي الله عنه – ليُعلِن أنه قد تَنازَل عن ثوبه لأبيه؛ حتى يُكمل به جِلبابه، فقال الرجل: الآن قلْ، نسمَع ونُطِع، وهكذا كانت نساء الصحابة مُتحلِّيات بهذا الخُلُق الجليل والوصف النبيل، وكنَّ يشتركنَ مع المسلمين في المعارك، ويَقُمنَ بإعداد الطعام للمُقاتلين، وتَجهيز الماء لسَقي الجنود، ومُداواة الجرحى والمرضى، حتى اشتهَر من هؤلاء النساء السيدة أمُّ عمارة نَسيبة بنت كعب، والسيدة أم عطية الأنصارية، والسيدة أم سُليم، والسيدة ليلي الغِفاريَّة، وغيرهنَّ – رضي الله عنهنَّ.

الفرق بين الشَّجَاعَة وبعض الصفات

الفرق بين الشجاعة والقوة

كثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة وهما متغايران؛ فإن الشجاعة هي ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش. وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر وغيره أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم، ويشجعهم.

الفرق بين الشَّجَاعَة والجرأة

أنَّ الشَّجَاعَة من القلب: وهي ثباته واستقراره عند المخاوف، وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن، فإنَّه متى ظن الظفر وساعده الصبر ثبت، كما أنَّ الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر، فلا يظن الظفر ولا يساعده الصبر. وأما الجرأة: فهي إقدام، سببه قلة المبالاة، وعدم النظر في العاقبة، بل تقدم النفس في غير موضع الإقدام معرضة عن ملاحظة العارض، فإمَّا عليها، وإمَّا لها.

بعض مواطن ذكر الشجاعة في القرآن الكريم

أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالقتال في سبيله، والثبات عليه، والإقدام في الحروب، وعدم الجبن، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” (الأنفال:16).

وقال سبحانه: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ” (الأنفال:65). قال السعدي[2]: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ أي: حثهم وأنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم وينشِّط هممهم، من الترغيب في الجهاد، ومقارعة الأعداء، والترهيب من ضد ذلك، وذكر فضائل الشَّجَاعَة والصبر، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة، وذكر مضار الجبن، وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة، وأنَّ الشَّجَاعَة بالمؤمنين أولى من غيرهم.

 وقال سبحانه: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة:190). – وأمر الله المسلمين بالثبات في الجهاد فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ” (الأنفال:45).

 الحث على الشجاعة في السُّنَّة النَّبويَّة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان) (رواه مسلم).

قال النووي[3]: والمراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه، وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة، والصوم، والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك.

 وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلِّم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، فحدثت به مصعبًا فصدقه. (رواه البخاري).

وعن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم (رواه البخاري ومسلم).

من أقوال السلف الصالح في الشجاعة

– قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لخالد بن الوليد : (احرص على الموت، توهب لك الحياة) [العقد الفريد، لابن عبد ربه] .

– وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (الجبن والشَّجَاعَة غرائز في النَّاس، تلقى الرجل يقاتل عمن لا يعرف، وتلقى الرجل يفر عن أبيه) [مكارم الأخلاق، لابن أبى الدنيا] .

– وخطب عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، النَّاس لما بلغه قتل أخيه مصعب، فقال: (إن يقتل فقد قتل أبوه، وأخوه، وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن نموت قعصًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف، وإن يقتل مصعب فإنَّ في آل الزبير خلفًا منه) [العقد الفريد، لابن عبد ربه] .

– وكتب زياد إلى ابن عباس رضي الله عنه: (أن صف لي الشَّجَاعَة، والجبن، والجود، والبخل، فكتب إليه: كتبت تسألني عن طبائع، رُكِّبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أنَّ الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه، والجبان يفر عن عرسه، وأن الجواد يعطي من لا يلزمه، وأن البخيل يمسك عن نفسه) [نهاية الأرب فى فنون الأدب، للنويرى] .

– وقالوا : (حد الشَّجَاعَة سعة الصدر، بالإقدام على الأمور المتلفة) [نهاية الأرب فى فنون الأدب، للنويرى] .

فوائد الشجاعة وثمراتها

1 – الشجاعة سبب لانشراح الصدر:

قال ابن القيم: (فإن الشجاع منشرح الصدر واسع البطان متسع القلب والجبان أضيق الناس صدرا وأحصرهم قلبا لا فرحة له ولا سرور ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل وعلى كل معرض عن الله سبحانه غافل عن ذكره جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه متعلق القلب بغيره).

2 – الشجاعة أصل الفضائل:

فمن يتصف بالشجاعة يتحلى أيضاً بكبر النفس، والنجدة، وعظم الهمة، والثبات، والصبر، والحلم، وعدم الطيش، والشهامة، واحتمال الكد.

3 – الشجاعة تحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم:

قال ابن القيم[4]: (والشجاعة تحمله على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته وتحمله على كظم الغيظ والحلم فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنائها ويكبحها بلجامها عن النزغ والبطش كما قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد: الذي يملك نفسه عند الغضب وهو حقيقة الشجاعة وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه) .

4 – الرجل الشجاع يحسن الظن بالله:

قال ابن القيم[5]: (والجبن خلق مذموم عند جميع الخلق وأهل الجبن هم أهل سوء الظن بالله وأهل الشجاعة والجود هم أهل حسن الظن بالله كما قال بعض الحكماء في وصيته.. عليكم بأهل السخاء والشجاعة فإنهم أهل حسن الظن بالله.. والشجاعة جنة للرجل من المكاره والجبن إعانة منه لعدوه على نفسه فهو جند وسلاح يعطيه عدوه ليحاربه به).

فما أحْوج الأمَّة الإسلامية اليوم في هذه الظروف الحرِجة والأحوال العصيبة القاسية، أنْ يُولَى قادتها ورجال التعليم والتربية فيها عنايةً بالغةً، ورعاية زائدة بهذا الجانب المهمِّ من إثارة هذه الغريزة الخُلُقية القيِّمة في أبناء المسلمين؛ شبابًا وكهولاً، إناثًا وذكورًا، وأنْ يُربُّوا الشبيبة المسلمة على الفروسية والحياة العسكرية؛ حتى يُعيدوا للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها خيرها المُؤمَّل ومجدَها المُؤثَّل، فبحِرمانها هذا السلاح الباتِرَ، رَضِيتْ من الوفاء باللَّفاء، وأصبَحت تَعيش الفَوضى والخَواء؛ لذا قالت الحكماء: أصلُ الخيرات كلِّها في ثَبات القلب، ومنه تُستمَد جميع الفضائل، وهو الثبوت والقوَّة على ما يُوجِبه العدل والعِلم.

الهوامش:

[1] – الأخلاق والسير لابن حزم، ص:80

[2] – (تيسير الكريم الرحمن ص 325)

[3]–  (شرح النووي على صحيح مسلم: 4/2052).

[4] – (زاد الميعاد) لابن القيم (2/ 22).

[5] – من كتاب (الفروسية المحمدية ، ص: 457).

________________________________________________

المصادر:

شبكة الألوكة الشرعية

المكتبة الشاملة

موسوعة الدرر السنية

الكلِم الطيب

منارة الإسلام

طريق الإسلام

[opic_orginalurl]

Similar Posts