د. ولاء رفاعي سرور

التربية الدعوية للأبناء جديرة بأن يدخل الطفل المسلم حقل الدعوة منذ الصغر؛ وهو ما يصنع منه جيلا رائدا يقود ولا يقاد، يرى الحق ولا يرى له، فمن الأخطاء الفادحة التي تقع فيها الأسرة هي إخراج الطفل من الحجرة بمجرد دخول الضيف إليها، وعلى العكس فإن حضور الطفل لحوارات الكبار وسماع القضايا العامة يثير في حسه روح التفكير والتفاعل مع الواقع بما يكسبه شخصية تختلف عن غيره من الاطفال.

التربية الدعوةي للأودلاد

التربية الدعوة للأطفال تبدأ من البيت والمسجد

إن هذا الطفل يكون قد مر عليه من المشكلات عرضا وحلا ما يجعله قادرا على اتخاذ قرار مبني على الخبرة والحكمة، كما أنه قابل عددا من الشخصيات والنفوس البشرية المختلفة ما يجعله قادرا على التمييز بين الصالح وغيره ، ولا أحسب سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه عاتب ابنه عندما لم يجب عن سؤال الرسول في حديث النخلة قائلا له: لو قلت لكان أحب إلى من كذا وكذا، لا أحسبه -رضي الله عنه- أراد التباهي بابنه وإنما أراد لابنه التفاعل مع الكبار فترنو نفسه أن يصبح مثلهم.

كما أن مشاركة الطفل والأخذ برأيه في معالي الأمور يكسبه ثقة بالنفس تؤهله لتحمل تكاليف الدعوة فيما بعد. فيكزن قد تعود منذ صغره على أن يقول ما يراه صوابا، فإذا ما سمع التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت الاستجابة أسهل وأسرع؛ فلا نراه يخاف في الله لومة لائم.

كما أن مشاركة الطفل والأخذ برأيه في معالي الأمور بنشئ بداخله روح الريادة بما يحميه فيما بعد من اتباع كل ناعق، أو أن يكون إمعة إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء.

وحماية لهذا الطفل من خطر الغرور والكبر أو حتى الثقة الزائدة بالنفس التي قد تطرأ عليه نتيجة لهذه المعاملة يلزم على المربي أن بوجه إمكانات الطفل العقلية والبدنية إلى خدمة المسلمين وقضاء مصالحهم، وأن يزرع في نفسه أن قيمته ومكانته مرهونة بما يقدمه للإسلام والمسلمين؛ فهذا أخ مريض وجب علينا زيارته، وهؤلاء أبناء مسافر ينتظرون زيارتنا، والآخر يوم زفافه فلنشاركه فرحته، وهناك أرملة بحاجة إلى قضاء حوائجها، وهكذا يجد الطفل نفسه بين أبناء المجتمع المسلم يعيش لهم ويعيشون بوده لهم، فإن أحبه الناس فلما يقدمه من عطاء، وإلا فإنه سيكون كأي فرد في المجتمع لا يزيد عن من حوله شيئا.

فإذا كانت حياة الطفل على هذا النحو من الانغماس في أحوال المسلمين ثم تليت عليه آيات التكليف بالولاء لله وللرسول والذين آمنوا كانت الاستجابة أسهل وأسرع إذ أنه عاش منذ صغره في خدمة من أمر بالولاء لهم، ولا نجد شخصا أكثر تأثرا بحديث الرسول “فكوا العاني” -أي الأسير- من شخص عاش في طفولته يتفقد أبناء هذا الأسير، حتى إن توزيع الطفل بنفسه للصدقات على فقراء المسلمين يجعل منه شخصا معطاءا كريما، فإذا ما سمع الأمر بالتكليف بالصدقة كانت الاستجابة أسهل وأسرع إذ أنه تعود منذ صغره على العطاء.

التربية الدعوية ومحاذيرها

على أننا يجب ألا ننسى أننا نتحدث أولا وآخرا عن طفل؛ بمعنى أنه يجب أن يعيش طفولته بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلا يتعارض ما قلنا مع أن يلهو الطفل ويلعب مع غيره من الأطفال؛ أي أن إشعاره بالمسئولية مجرد تدريب وتأهيل لمرحلة التكليف، وليس العبء النفسي والضغط الذي يحمله ما لا يطيق، وإلا انقلب الأمر وتحول إلى نفور. وكيف يدخل السعادة على قلب غيره ولم يذق هو طعمها؟. ولا يتعلل المربى بالانشغال عن هذه الأمور؛ فما داعب النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا عمير وسأله عن عصفوره إلا وهو راجع من قتال، فالمقصود هو بناء شخصية سوية تحمل بين جوانحها آمالاً تمكنها بإذن الله من الإصلاح.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

_____

* المصدر: موقع دعوتها.

[ica_orginalurl]

Similar Posts