هل القرآن من اختراع محمد أم جمعه من أديان أخرى؟

إنه سؤال يتبادر إلى ذهن كل مسيحى، وخلاصتها أن النبى تلقف هذا القرآن وما فيه من أحكام من بحيرا الراهب النصرانى أو من رومى كان يعمل بمكة : ولا يعجب المسلم حين يسمع هذه الشبهة أو هذا السؤال لأنه ليس بسؤال جديد وإنما أجاب عنه القرآن فى غير ما آية فالشبهة قديمة بقدم الإسلام، وها هى نصوص القرآن تعالج هذه الشبهة:

“وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا”.(25:5-26)

البيئة التى نشأ فيها النبى محمد-صلى الله عليه وسلم-

إن النبى-صلى الله عليه وسلم- قد ولد فى بيئة يغلب عليها الطابع الشركى الوثنى وكان عدد النصارى واليهود بمكة قليل جدا مقارنة بغيرهم من أهل الأوثان. وأجداد النبى-صلى الله عليه وسلم- كانوا على دين أهل مكة؛ يشهد لذلك رغبة النبى فى هداية عمه أبى طالب وهو على فراش الموت إلى الإسلام، وقول الله عز وجل لنبيه ص-فى صدر الدعوة:

دلونى على الحقيقة!

“وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ”.

إذا لو كان حقا أن النبى تلقف دعوته عن أحد من البشر أو من أهل الكتاب النصارى واليهود لسبقت به بيئته التى نشأ فيها ولسفهه قومه على ذلك.

من جهة أخرى لم يكن أهل الكتاب فى ذلك الزمان شديدى الإنكار على المكيين فى انخراطهم فى الوثنية؛ إذ أن المسيحية قد اختلطت فى تلك الأزمنة ببعض الطقوس الوثنية، يشهد لذلك القرآن نفسه:

“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا” (4: 51).  

النبى وورقة بن نوفل وبحيرا الراهب والرومى

ومما يلبس به البعض اتصال النبى صلى الله عليه وسلم-بورقة بن نوفل- وبحيرا الراهب وأحد الروميين الذى كان يعمل حدادا بمكة.

وقد اختلف علماء السير للإسلام فى ورقة بن نوفل وما دان به فمنهم من قال أنه كان على دين إبراهيم على الحنيفية البعيدة عن الشرك وأدرك نبوة النبى محمد-صلى الله عليه وسلم- ولم يدرك رسالته فآمن بنبوته ومات على الحنيفية.

وورقة بن نوفل هو أحد الأربعة الذين اجتمعوا في يوم احتفال قريش بصنم من أصنامهم وتحدثوا فيما بينهم، واجتمعت كلمتهم على أن قريشاً انحرفت عن دين إبراهيم عليه السلام، وأنه لا معنى لعبادة الأصنام، وانطلقوا يبحثون عن دين إبراهيم الصحيح. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطوف بالبيت فلقيه ورقة فقال:

“يا ابن أخي: أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة: والذي نفس ورقة بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي كان يأتي لموسى …، ولئن أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصراً يعلمه، ثم دنا من رسول الله صلى الله فقبل رأسه.. ثم لم ينشب ورقة أن توفي قبل أن يظهر الإسلام”.

ومن علماء الإسلام من قال بصحبة ورقة بن نوفل للنبى-صلى الله عليه وسلم- وإسلامه وقد روى الحاكم  عن عائشة رضي الله عنها :

“أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (لا تسبوا ورقة فإني رأيت له الجنة ، أو جنتين). صححه الحاكم على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وذكره الألباني في “الصحيحة” (405) ورجح الدارقطني إرساله ، كما في “العلل” (14/157) .

ومنهم من قال بأنه كان على دين عيسى بن مريم-عليه السلام-، قال الكرماني : “فإن قلت ما قولك في ورقة ؛ أيحكم بإيمانه ؟ قلت لا شك أنه كان مؤمنا بعيسى عليه السلام ، وأما الإيمان بنبينا عليه السلام فلم يُعْلَم أن دين عيسى قد نسخ عند وفاته أم لا ، ولئن ثبت أنه كان منسوخا في ذلك الوقت ، فالأصح أن الإيمان التصديق وهو قد صدقه من غير أن يذكر ما ينافيه”. [عمدة القاري(1 /168)]. ويفهم من كلام الكرمانى تدين ورقة بدين عيسى-عليه السلام-لإدراكه لنبوته، وتصديقه أيضا بنبوة محمد-صلى الله عليه وسلم-مع عدم إدراكه لرسالته وبدء التشريع.

ولنفترض أنه كان على دين عيسى- عليه  السلام- فإنه كان على دينه الصحيح الذى بشر بنبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- وهذا ما يؤيده إسلامه وتصديقه للنبى صلى الله عليه وسلم فى دعوته.

والمدقق والمنصف لرسالة النبى -محمد صلى الله عليه-ومحتواها يجد أنها احتوت على ما فيه نقد للنصرانية (المسيحية)، مع الثناء على-عيسى عليه السلام- وكشفت ما فى الكتب السابقة من تبديلها وتحريفها وبين القرآن تصديقه وهيمنته على الكتب السابقة ببيان ما فيها من الحق والباطل. ومن تلك النصوص القرآنية التى عرضت لأهل الكتاب من اليهود والنصارى بالنقد:

“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ” (4:44).

“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّـهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ” (23:4

بل نرى القرآن يبين موقفه من الفريقين الوثنيين وأهل الكتاب المنحرفين عن التصديق برسالة الإسلام :

“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا” (51:4

وأخبر القرآن عن أمور غيبية وأمور مستقبلية تختلف عن الخلفية العلمية لبحيرا وغيره؛ فهى لم تذكر فى كتبهم ولا تلقاها عنهم غيرهم من أتباع دينهم.

ويرد منقذ السقار فى كتابه تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين على هذه الشبهة قائلا:

“إذا كان القرآن منقولاً عن ورقة وبَحيرا فلم لم ينسباه إلى أنفسهما؟ ولم أمكنوا محمداً – صلى الله عليه وسلم – من ذلك؟ وكيف اطلع هؤلاء على علوم القرآن التي سجلت قصص الأولين والآخرين وحوت المبهر من أخبار الغيوب التي كشف عنها العلم الحديث اليوم؟ لو فرضنا أنه – صلى الله عليه وسلم – تعلم من بَحيرا وورقة أخبار السابقين، فماذا عن مئات الآيات التي نزلت بخصوص أحداث حصلت بعد وفاة بَحيرا وورقة بزمن طويل، فعالجها القرآن في حينها، كسورة آل عمران التي تتعلق ثمانون آية منها بقدوم نصارى نجران، وستون آية أخرى بأحداث غزوة أُحد، وسورة التوبة التي تحدثت عن أحداث تتعلق بغزوة تبوك، وسورة الأحزاب التي تناولت أيضاً أحداث تلك الغزوة، ومثل هذا كثير لا يخفى. ويلزم هنا التنبيه إلى أن لقيا النبي – صلى الله عليه وسلم – الراهب بَحيرا إبَّان شبيبته ليس محل اتفاق المسلمين، فقد حسَّن رواية هذا الخبر بعض أهل العلم، وضعفها آخرون منهم وعلى فرض صحة الرواية فماذا عساه يتعلم غلام يبلغ من العمر التاسعة أو الثانية عشرة في لقاء واحد من هذا الراهب النسطوري!”. ويقول:

“هذا ولم تنقل الروايات أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جلس إلى بحيرا يتعلم منه أخبار السابقين أو غيرهم، بل ذكرت أن بحيرا كان يسأل النبي عن أشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره”.

ومن المعلوم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب فكيف قرأ الكتب السابقة للقرآن، يقول السقار عن هذه الشبهة: “وقبل أن نشرع في بيان الحق في هذه المسألة نود أن نقرر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أُمِّي لا يعرف القراءة والكتابة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} (الأعراف: 157)، ونشأ في أمة أمية، ندر أن تجد فيها من يقرأ ويكتب {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} (الجمعة: 2)”.

ويقول عن اطلاع النبى -صلى الله عليه وسلم- للكتب السابقة: “ولعل من المفيد التنبيه إلى أن أول ترجمة عربية للكتاب المقدس ظهرت بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – بقرن من الزمان، وهي ترجمة أسقف أشبيليا يوحنا عام 724م ، فالكتاب لم يكن متداولاً بين الناس زمن النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقد كان حكراً على بعض القسس، ولم يطلع عليه عوام المسيحيين إلا في عصر الطباعة في القرن الميلادي السادس عشر رغم محاولات الكنيسة منع انتشاره بقرارات الحرمان التي أصدرها مجمع تريدنت نوتردام في 1542 – 1563م” .

ويجيب الزرقانى عن هذه الشبهة بأجوبة منها:

  1. إن هذه الدَّعوة مجردة من الدليل ، خالية من التحديد والتعيين، ومثل هذه الدعاوى لا تُقبل مادامت غير مدللة، وإلا فليخبرونا ما الذي سمعه محمد – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ – من بحيرا الراهب ؟ ومتى كان ذلك؟ وأين كان ذلك ؟
  2. إن التاريخ لا يعرف أكثر من أنه – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ – سافر إلى الشام في تجارة مرتين، مرة في طفولته ومرة في شبابه، ولم يسافر غير هاتين المرتين، ولم يجاوز سوق بصرى فيهما، ولم يسمع من بحيرا ولا من غيره شيئا من الدين، ولم يكن أمره سراً هناك بل كان معه شاهد في المرة الأولى وهو عمه أبو طالب، وشاهد في المرة الثانية وهو ميسرة غلام خديجة التي خرج الرَّسُول – صلى الله عليه وسلم – بتجارتها يومئذ.
  3. إن تلك الروايات التاريخية نفسها تحيل أن يقف هذا الراهب موقف المعلم لمحمد – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ – لأنه بشره أو بشر عمه بنبوته، وليس بمعقول أن يؤمن رجل بهذه البشارة التي يزفها ثم ينصب نفسه أستاذاً لصاحبها الذي سيأخذ عن الله ويتلقى من جبريل ويكون هو أستاذ الأستاذين وهادي الهداة والمرشدين وإلا كان هذا الراهب متناقضاً مع نفسه.
  4. إن بحيرا الراهب لو كان مصدر هذا الفيض الإسلامي المعجز لكان هو الأحرى بالنبوة والرسالة والانتداب لهذا الأمر العظيم .
  5. إنه من المستحيل في مجرى العادة أن يتم إنسان على وجه الأرض تعليمه وثقافته ثم ينضج النضج الخارق للمعهود فيما تعلم وتثقف، بحيث يصبح أستاذ العلم كله لمجرد أنه لقي -مصادفةً واتفاقاً – راهباً من الرهبان مرتين ، على حين أن هذا التلميذ كان في كلتا المرتين مشتغلاً عن التعليم بالتجارة، وكان أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وكان صغيراً تابعاً لعمه في المرة الأولى، وكان حاملاً لأمانة ثقيلة في عنقه لا بد أن يؤديها في المرة الثانية، وهي أمانة العهد والإخلاص في مال خديجة وتجارتها.
  6. إن طبيعة الدين الذي ينتمي إليه الراهب بحيرا، تأبى أن تكون مصدراً للقرآن وهدايته، خصوصاً بعدما أصاب ذلك الدين ما أصابه من تغيير وتحريف. وحسبك أدلة على ذلك أن القرآن قد صور علوم أهل الكتاب في زمانه بأنها الجهالات ثم تصدى لتصحيحها.
  7. إن هذه التهمة لو كان لها نصيب من الصحة، لفرح بها قومه وقاموا لها وقعدوا لأنهم كانوا أعرف النَّاس برسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ -، وكانوا أحرص النَّاس على تبهيته وتكذيبه وإحباط دعوته بأية وسيلة”.

أهم المصادر والمراجع:

  • محمد بن سرور زين العابدين، دراسات في السِّيرَة النَّبَويَّة
  • الزقاني، مناهل العرفان
  • منقذ السقار، فى كتابه تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين
  • المناوى، عمدة القارى

[opic_orginalurl]

Similar Posts