د. محمد فتحي رزق الله

كما علمنا أساتذتنا فإن التعارف ومن ثم التعايش الذي يريده الإسلام بين جميع الأمم والشعوب على اختلاف ألوانها وأجناسها

الحروب الصليبية أحد مظاهر عداء الإسلام للغرب منذ القدم

ودياناتها وحضاراتها لن يصبح في الإمكان إلا إذا كشفنا الغطاء عن القنابل الملغومة في الثقافات الأجنبية التي تحول دون بلوغ هذه الأهداف.

وأنا هنا أعرض لما سطره علماؤنا في مؤلفاتهم القيمة من تشخيص دقيق للداء المستعصي حتي الآن، في نقاط أهديها لغير المسلمين بشكل خاص أينما كانوا على وجه الأرض على النحو الآتي:

أ- الإنسان الغربي ضحية الافتراءات الغربية

فالافتراءات والأكاذيب التي يتناولها الغرب على لسان العامة من شعوبه وأبنائه لا تعني بالضرورة إدانة الإنسان الغربي الذي قد يكون ضحية لهذه الافتراءات والأكاذيب الموجودة بالمخزون الثقافي والتراثي والغربي. إذ أن تناقلهم لتلك الأكاذيب وهذه الافتراءات قد يكون عن جهل أو عن تأويل فاسد، فكما قال السابقون من علمائنا “كفر المقولة لا يعني كفر قائلها”.

ب- المشكلة في مواجهة الهجوم على الإسلام

يلخص علماء الفكر الإسلامي والسياسة الشرعية المشكلة الحقيقية للمسلمين في مواجهة الهجوم والعداء الغربي للإسلام ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى وجه الخصوص تلك التي تصدر وبشكل مستمر عن الدوائر السياسية والدينية والإعلامية في الغرب؛ حيث نتعامل مع هذه الإساءات، وهذا الكره البغيض تعاملاً انفعاليا موسميا، سرعان ما يتبخر مع بقاء المواقف المعادية علي حالها. وإذا ما أردنا حل هذه المشكلة فعلى العقول المسلمة في كل مكان من بقاع الأرض أن يعرفوا مجموعة من الحقائق يجب أن تكون بمثابة الأسس الراسخة، والحاكمة عند اتخاذ أي موقف تجاه هذه الهجمات العدوانية، وهذه الحقائق هي:

الحقيقة الأولى: ضرورة إدراك قدم العداء الغربي للإسلام:

فليعلم الناس في مشارق الأرض ومغاربها أن عداء غير المسلمين للإسلام، وحقدهم على رسوله والتطاول عليه وتجهمهم للمسلمين، ليس وليد العصر وإنما ظهر على الساحة بظهور الإسلام كنور للبشرية جاء ليبدد ظلمات الإرهاب الفكري، والجسدي، والظلم الإنساني، والتدهور الاجتماعي وكقاصم لظهر الوجاهة والمكانة السياسية التي استغلت الإنسان حينا من الدهر، واستعبدته، وقهرته.

وقد سجل القرآن الكريم وسطرت السنة النبوية، وحفظ لنا التاريخ الكثير من الشواهد والبراهين على هذا العداء والتطاول المقيت الذي كان ولا يزال وسيظل حتى فناء الدهر، من ذلك قول الله سبحانه، في الآية التاسعة بعد المائة من سورة البقرة: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.

ولكي تعم الفائدة من هذا الدليل القرآني كان لا بد من الوقوف على معرفة سبب نزول هذه الآية أولا ثم على العدل الإلهي الوارد فيها ثانيا؛ فسبب نزول الآية ما حدث بعد غزوة أحد حيث طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم َمن الرماة ألا يغادروا مواقعهم عند سفح جبل أحد، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا.. فلما بدأت بوادر النصر طمع الرماة في الغنائم فخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزمهم الله، ولكن الكفار لم يحققوا نصرا لأن النصر هو أن تحتل أرضا وتبقى فيها.

_هؤلاء الكفار بعد المعركة انطلقوا عائدين إلى مكة؛ حتى إن المسلمين عندما خرجوا للقائهم في اليوم التالي لم يجدوا أحداً، فجاء يهود المدينة واستغلوا هذا الحدث. وعندما التقوا بحذيفة بن اليمان وطارق بن ياسر وغيرهما.. قالوا لهم: إن كنتم مؤمنين حقا فلماذا انهزمتم؟ فارجعوا إلى ديننا واتركوا دين محمد.. فقال لهم حذيفة: ماذا يقول دينكم في نقض العهد؟ (يقصد ما الذي تقوله التوراة في نقض اليهود لعهودهم مع الله ومع موسى؟). ثم قال أنا لن أنقض عهدي مع محمد ما حييت. أما طارق فقال: لقد آمنت بالله ربا، وآمنت بمحمد رسولا، وآمنت بالكتاب إماما، وآمنت بالكعبة قبلة، وآمنت بالمؤمنين إخوة، وسأظل على هذا ما حييت.

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله حذيفة وطارق بن ياسر سر بذلك، ولكن اليهود كانوا يستغلون ما حدث في أحد ليهزموا العقيدة الإيمانية في قلوب المسلمين كما استغلوا تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ليهزوا الإيمان في القلوب، وقالوا: إذا كانت القبلة تجاه بيت المقدس باطلة فلماذا اتجهتم إليها، وإذا كانت صحيحة فلماذا تركتموها، فنزل قول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ}.

ولروعة العدل الإلهي جاءت دقة التعبير القرآني لتخبر الناس في كل زمان ومكان أنه ليس كل أهل الكتاب يفعلون ذلك، لا.. لكن البعض منهم كأن بعضهم فقط هم الذين كانوا يحاولون رد المؤمنين عن دينهم.. ولكن كانت هناك قلة تفكر في الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولو أن الله جل جلاله حكم على أهل الكتاب جميعاً بأنهم أهل حقد وبغض وحسد، لسد الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا.. فكان المعنى أن أهل الكتاب من اليهود يحبون أن يردوكم عن دينكم وهؤلاء هم الكثرة؛ لأن الله تعالى قال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب}.

ثم جاء القرآن ليؤكد على أن السبب الرئيس فيما يتمناه غير المسلمين للمسلمين من ارتداد عن العقيدة، ومعاداة محمد وما جاء به ليس مبدأ أو عقيدة تأمرهم التوراة به، وإنما هو الحسد، والحقد والكره وتمني زوال نعمة الإسلام، التي جعلت المسلمين إخوانا متحابين، متكاتفين، مترابطين، بدأت لهم دولة حضارية، تحترم الإنسان، وتعظم من تشييد الدول على العدل والحرية والمساواة، بينما هم في حالة تشيع وتحزب. وها هو شاهد من أهلهم وهو القائد والكاتب الإنجليزي جلوب باشا (ت 1986م) يؤكد على قدم هذا العداء الغربي للإسلام والمسلمين فيقول: “إن مشكلة الشرق الأوسط إنما تعود إلي القرن السابع للميلاد”، وهو يقصد بذلك بداية ظهور الإسلام ببعث رسول الله محمد.

أما عن الحقيقة الثانية فهي عنوان المقال القادم إن شاء الله.

—–

* المصدر: المصريون.

[ica_orginalurl]

Similar Posts