الأستاذ محمد الغزالي

قد تكون لكل دين شعائر خاصة به تعتبر سمات مميزة له. ولا شك أن في الإسلام طاعات معينة ألزم بها أتباعه وتعتبر فيما بينهم أمورا مقررة لا صلة لغيرهم بها.

غير أن التعاليم الخلقية ليست من هذا القبيل؛ فالمسلم مكلف أن يلقى أهل الأرض قاطبة بفضائل لا ترقى إليها شبهة؛ فالصدق واجب على المسلم مع المسلم وغيره، والسماحة والوفاء والمروءة والتعاون والكرم.. الخ.

وقد أمر القرآن الكريم ألا نتورط مع اليهود أو النصارى في مجادلات تهيج الخصومات ولا تجدى الأديان شيئا. قال الله تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46).

واستغرب من أتباع موسى وعيسى أن يشتبكوا مع المسلمين في منازعات من هذا النوع الحاد: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} (البقرة: 139).

وحدث أن يهوديا كان له دَيْن على النبي فجاء يتقاضاه قائلا: إنكم يا بنى عبد المطلب قوم مُطل!! فرأى عمر بن الخطاب أن يُؤدب هذا المتطاول على مقام الرسول وهم بسيفه يبغى قتله.

لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أسكت عمر قائلا: “أنا وهو أولى منك بغير هذا؛ تأمره بحُسن التقاضي؟ وتأمرني بحُسن الأداء”.

وقد أمر الإسلام بالعدل ولو مع فاجر أو كافر.

قال عليه الصلاة والسلام: “دعوة المظلوم مُستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه “.

وقال: “دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك “.

وبهذه النصوص مَنع الإسلام أبناءه أن يقترفوا أية إساءة نحو مخالفيهم في الدين.

ومن آيات حسن الخلق مع أهل الأديان الأخرى ما ورد عن ابن عمر: أنه ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ”

وكذلك أمر الإسلام أن يصل الإنسان رحمه ولو كفروا بدينه الذى اعتنقه فإن التزامه للحق لا يعنى المجافاة للأهل: “وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون”.

ذلك من الناحية الشخصية.

أما من الناحية العامة فقد قرر الإسلام أن بقاء الأمم وازدهار حضارتها واستدامة منعتها إنما يُكفل لها إذا ضمنت حياة الأخلاق فيها فإذا سقط الخلق سقطت الدولة معه.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ويؤكد هذه الحقيقة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لقومه وعشيرته؛ فقد رشحتهم مكانتهم في جزيرة العرب لسيادتها وتولي مقاليد الحكم بها.

ولكن النبي أفهمهم ألا دوام لملكهم إلا بالخلق وحده؛ فعن أنس بن مالك قال: “كنا في بيت فيه نفر من المهاجرين والأنصار فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل كل رجل يوسع رجاء أن يجلس إلى جنبه..

ثم قام إلى الباب فأخذ بعضادتيه فقال: الأئمة من قريش ولى عليكم حق عظيم ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثا: إذا استُرْحموا رَحموا وإذا حكموا عد لوا وإذا عاهدوا وفوا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ” .

هذا الحديث حاسم في أنه لا مكانة لأمة ولا لدولة ولا لأسرة إلا بمقدار ما تمثل في العالم من صفات عالية وما تحقق من أهداف كريمة. فلو أن حكما حمل طابع الإسلام والقرآن ثم نظر الناس إليه فوجدوه لا يعدل في قضية ولا يرحم في حاجة ولا يوفى في معاهدة فهو باسم الإسلام والقرآن قد انسلخ عن مقوماته الفضالة وأصبح أهلا لأن يعن في فجاج الأرض وآفاق السماء.

وروى الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بقوم خيرا ولى أمرهم الحكماء وجعل المال عند السحماء وإذا أراد الله بقوم شرا ولى أمرهم السفهاء وجعل المال عند البخلاء”.

من أقوال الإمام ابن تيمية: “إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة” .

إن الخلق في منابع الإسلام الأولى من كتاب وسنة هو الدين كله وهو الدنيا كلها فإن نقصت أمة حظا من رفعة في صلتها بالله أو في مكانتها بين الناس فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها.

* من كتاب “خلق المسلم” بتصرف في العنوان.

 

[opic_orginalurl]

Similar Posts