شادي الأيوبي  (أثينا)

يعتبر كتاب الإسلامية ورهاب الإسلام من المحاولات العديدة لرصد الوجود الإسلامي في اليونان، وقد اعتمد الكتاب على عشرات المصادر الإسلامية

الغلاف

غلاف الكتاب

والأجنبية لإعطاء وصف دقيق للحالة الإسلامية الأوروبية واليونانية.

مؤلفا الكتاب فوتيس بابايورييو وأدونيس ساموريس رجلا أمن سابقان؛ وهو ما يعطي الكتاب أهمية خاصة لأنه يوضح نظرة أجهزة الأمن اليونانية للوجود الإسلامي في اليونان وأوروبا.

يفرق الكاتبان بين المسلمين والإسلاميين.فالمسلمون هم عامة المعتقدين بالإسلام بدون اهتمام كبير بنقل مبادئه إلى غيرهم، أما الإسلاميون فهم من يرون أن الإسلام أيديولوجية دينية، ويحاولون الترويج للإسلام كأسلوب حياة.ويضع المؤلفان “الإسلامية” مقابل “الإسلاموفوبيا” كقوتين متطرفتين تؤديان إلى صدام مجتمعي.

تخوف أوروبي

كما يشير الكاتبان إلى أن خوف المجتمعات الأوروبية من فقدان هويتها القومية جعلها تخاف من الآخر المختلف عنها وتعتبر أنه يقتحم بلادها ويؤثر سلباً فيها، ما يسهم في تصاعد الحركات العنصرية.كما أن مشروع إدماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية كان غير ناجح في أحيان أخرى، ما أدى إلى فشله و نشوء مجتمعات إسلامية منعزلة.

ويلفت الكتاب النظر إلى أن الإسلاميين يميلون إلى تجميل تاريخهم ومجتمعهم الإسلامي الأول، ويسقطون عليه بعداً أسطورياً حيث يكون الجميع سعداء في حياتهم وبعد موتهم بفضل عقيدتهم الإسلامية.

ويدعي الكاتبان أن التوصل إلى تفسير متفق عليه للنصوص الإسلامية بين المسلمين السنّة تمّ في القرن الحادي عشر الميلادي.

هجرة المسلمين إلى بلاد أوروبا سمحت بنقل الحركات الإسلامية الرئيسة إليها، ما جعل الإسلاميين يبدلون أساليبهم حيث لم يعد الهدف إقامة دولة إسلامية في أوروبا بل بذل أقصى الجهد للحفاظ على القيم الإسلامية ثم إدخال القوانين الإسلامية الخاصة التي يجب أن تحكم علاقات المسلمين ببعضهم في مجتمع غير إسلامي.

هوية أوروبية

ويعتبر الكتاب أنه لابد للهوية الأوروبية أن تحتوي عناصر من الهوية الإسلامية حيث إن الحضارة الأوروبية مدينة بجزء من وجودها للحضارة الإسلامية، دون أن يعني هذا غياب نقد الإسلاميين.

يشير الكاتبان إلى أن اليونانيين، بعد حصولهم على استقلال دولتهم الحديثة من الدولة العثمانية  (1830م)، خاضوا حروبا كثيرة مع الأتراك وكان الإسلام يمثل فيها “دين الأعداء” ما يعني تكوين صورة سلبية عن الإسلام لدى معظم اليونانيين.. هذا الموقف أثر على نظرة اليونانيين إلى مسلمي منطقة “تراكيا الغربية” الذين بقوا في اليونان بعد انتهاء آخر الحروب بين البلدين عام 1923.

ثلاث مجموعات

يميز الكتاب بين ثلاث مجموعات من المسلمين: مسلمي “تراكيا الغربية” الذين يسكنون المنطقة منذ سبعة قرون متواصلة، المسلمين المهاجرين الذين ظهروا في البلد بكثرة منذ أكثر من عشرين سنة، أما الفئة الثالثة فهي اليونانيون الذين اختاروا اعتناق الدين الإسلامي.

شأن الرواية الرسمية، يقسم الكتاب الأقلية المسلمة في شمال تراكيا الغربية  إلى ثلاث مجموعات: أولاً، ذوي الأصول التركية، وهؤلاء يشكلون نسبة 45-50% من مجموع الأقلية، البوماك الذين تقول الروايات اليونانية إن أصولهم يونانية وقد دخلوا الإسلام بتأثير من العثمانيين ، فيما يعتبر البلغار أن أصول هؤلاء بلغارية، ويشكل البوماك نسبة 30-35% من أبناء الأقلية.أما المجموعة الثالثة فهم الغجر الذين يشكلون نسبة 20-22% من المسلمين، ويعاني هؤلاء من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.

وبناءً على الفقرة رقم 45 من معاهدة لوزان، يشكل المسلمون أقلية دينية تحتكم للدين الإسلامي في أحكام الأسرة والمواريث، ويقوم المفتون الرسميون الثلاثة في المنطقة بمهمة الزعماء الروحيين للأقلية وتوزيع المواريث.

مسؤولية مشتركة

ويحمل الكتاب الدولتين اليونانية والتركية مسؤولية تحويل التركيز من الهوية الدينية للأقلية إلى هويتها القومية.

 يلفت الكتاب النظر إلى أن شباب الأقلية المسلمة أصبحوا خلال السنوات الأخيرة يفضلون الجامعات اليونانية على الذهاب إلى جامعات تركيا.. وكانت الحكومة اليونانية خصصت لطلاب الأقلية نسبة دخول للجامعات اليونانية تصل إلى 0.5 %، وإن كانت هذه الخطوة لم تؤدِ النتيجة المطلوبة في نهاية الأمر.

ويعتبر الكاتبان أن تطبيق القوانين الإسلامية في قضية المواريث يظلم النساء والأطفال وأنه بسبب المجتمع المغلق قلما تشتكي النساء لدى المحاكم اليونانية، وفي تلك الحالات القليلة تصادق المحاكم اليونانية على قرار المفتي ولا تلغيه.

موجات الهجرة

بالنسبة للمسلمين المهاجرين يشير الكتاب إلى أن اليونان لم تكن حتى التسعينيات من القرن الماضي مقصداً للهجرة بسبب حالتها الاقتصادية المتواضعة، وقد بدأت موجات الهجرة الأجنبية تستقر فيها منذ منتصف التسعينيات، وكانت مجموعات المهاجرين في معظمها شباباً غير متزوجين أو رجالاً متزوجين تركوا أسرهم في بلادهم على أمل تجميع مبلغ من المال يعطيهم القدرة على بناء حياة أفضل هناك، لكنهم بقوا في البلد كما فعل كثير من المهاجرين السابقين.

ويشير الكتاب إلى إشكالية صعوبة إحصاء أعداد المسلمين المهاجرين في اليونان؛ حيث إن الإحصاءات الرسمية تتعاطى مع مجموعة قومية لا دينية، والأرقام التي تنتشر حول أعداد المسلمين إنما هي تقديرات قائمة على اعتبار أن المجموعات القادمة من بلاد ذات أغلبية مسلمة هم بالنتيجة مسلمون، دون أن يكون هناك إمكانية لتحديد مدى ارتباطهم بدينهم.

المهاجرون الألبان

ويطرح الكتاب قضية المهاجرين الألبان الذي يشكلون أكبر جالية أجنبية في اليونان، وهؤلاء لا يُشملون عند الحديث عن المسلمين في البلد مع أنهم مسلمون، لأن هويتهم القومية أقوى من تلك الدينية.

الأجيال الأولى من المهاجرين المسلمين كانت تعتبر أن بقاءها في اليونان مؤقت، لذلك لم تهتم كثيراً بإنشاء مؤسسات إسلامية لتحفظ هويتها، حسب الكتاب.

وهكذا لم يكن في أثينا حتى عام 1993م إلا 3 مصليات غير رسمية، ثم ازدادت مع الوقت لتصبح حوالي مائة مصلى عام 2013م.

عن المجموعة الثالثة من المسلمين، وهم المسلمون الجدد ، يشير الكتاب إلى اعتناق مجموعات من الشباب اليوناني للإسلام، وما يحويه هذا الأمر من صعوبات يواجهونها داخل مجتمع قلما يتسامح مع من يغير دينه وخاصة نحو الإسلام المرتبط في أذهان اليونانيين بـ 400 سنة من الحكم العثماني. ومعظم هؤلاء من النساء المتزوجات بمسلمين أو الطلاب الذي اطلعوا على الإسلام خلال دراستهم في الخارج، أو كبروا في دول أوروبا الغربية، ومنهم من اطلع على الإسلام بجهد ذاتي.

نشر الأفكار

يتجه الشباب اليوناني الذي يعتنق الإسلام لتبني أفكار الإخوان المسلمين أو السلفيين، حسب الكتاب، وذلك لأن معظمهم يتصل بالعرب كجيران قدماء لليونان.

وبسبب تمرسهم بالتقنيات الحديثة فقد نشطوا في مجال نشر أفكارهم على الشبكة العنكبوتية مؤسسين عدة مواقع إسلامية ونوادي تواصل إلكترونية حيث يطرحون ويناقشون قضايا تهمهم.

يدرك الشباب اليونانيون المتحولون للإسلام والجيل الثاني من المسلمين في اليونان أن الاقتراب من المجتمع اليوناني، الذي يرى الإسلام من خلال علاقات اليونان بتركيا، يحتاج إلى طرح موضوعات مثل إظهار موقف الإسلام من البيئة والاقتصاد والأخلاق.

يدعو الكتاب الدولة لإدماج المسلمين في المجتمع بشكل كامل ويحذر من أن ظواهر مثل الخوف من الأجانب أو الإسلام، تؤدي بهم إلى الانعزال أو طلب المساعدة من مؤسساتهم التي أنشئوها وتعمل بشكل مستقل.

يؤكد الكتاب أن الدولة والمجتمع اليونانيين لا يريان مسلمي تراكيا الغربية والمسلمين الأجانب كشيء واحد، بل كملفين منفصلين تماما، ولا يعتبر الكتاب أن الاتصال بين مجموعتي المسلمين المهاجرين والمسلمين اليونانيين سيؤدي إلى تأثر فئات المهاجرين بالسياسة التركية، لكنه في المقابل يتخوف أن يؤدي هذا الاتصال إلى انتقال أفكار مثل السلفية المتشددة إلى أبناء الأقلية وإلى مطالبة الإسلاميين بتطبيق المزيد من أركان الشريعة إضافة إلى الزواج والمواريث.. أما المسلمون الجدد فلا يجري أي حديث رسمي أو شعبي بخصوصهم على الإطلاق.

——–

المصدر: مجلة المجتمع الكويتية (بتصرف يسير).

[ica_orginalurl]

Similar Posts