جهلان إسماعيل

قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم -: يَؤمُّ القومَ أقرَؤُهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلَمُهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواءً، فأقدَمُهم هجرة – يعني من بلاد الكُفر إلى بلاد الإسلام -، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سِنًّا – وفي رواية: سِلمًا أي إسلاماً-ولا يَؤُمَّنَّ الرَّجلُ الرجلَ في سلطانه – يعني مكان سُلطَتِه كَبَيْتِهِ أو ولايته -، ولا يقعد في بيته على تَكْرُمَتِه إلاَّ بإذنه) رواه مسلم

مِمَّا سبق يتبيَّن أن الإسلام حرص على توفر مجموعة من الشروط في الشخص الذي يؤم المسلمين في الصلوات، فليس كل شخص يصلح أن يكون إماما والمسألة لها شروط وضوابط، فالإمام هو أقرأ الناس لكتاب الله أي أكثرهم حفظا لكتاب الله وهو أعلمهم بالسنة وهو أكبر القوم سنا في الغالب، ويتفاضل الناس فيما يتعلق بالإمامة حسب الشروط الموضوعة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تساوى المتقدمون في شرط ينظر إلى الشرط الذي يليه للترجيح وهكذا..

وفي وقتنا هذا تقوم الحكومات بتوظيف أئمة المساجد وتجري عليهم الرواتب بعد أن يتخرجوا من الكليات الشرعية ويتم إعدادهم لهذه المهمة الجليلة، وبالتالي لم يعد هناك مجال أمام الناس في الاختيار والترجيح إلا في غياب هذا الإمام الراتب المعين من قبل الحكومة، ولا يجوز تجاوزه حتى ولو كان هناك في المسلمين من هو أعلم منه وأفقه.

ومع أن المهمة الأساسية للإمام هي إمامة الناس في الصلاة إلا أن مهامه لا تقتصر على ذلك فالإمام معلم وواعظ ومصلح، يربي عقولاً، ويبنى نفوساً ويغرس قيماً وأخلاقاً حميدةً، فهو مسؤول عن تعليم الناس أمور دينهم بما لديه من علم، وهو مسؤول عن الإجابة عن استفسارات رواد المسجد فيما يتعلق بالأمور الشرعية والأمور الحياتية التي تصادفهم، وهو مسؤول عن توثيق أواصر المحبة والأخوة بين المصلين، وهو مسؤول أيضا عن رعاية شباب الحي الذي يقيم فيه وحمايتهم بالتوجيه الدائم والمستمر وإقامة البرامج والأنشطة التوعية التي تخدمهم وتصنع منهم رجالا صالحين يساهمون في بناء أوطانهم حتى لا يقعون فريسة في أيدي المنحرفين من أهل الشهوات من جهة أو الذين يفسرون الدين على أهواءهم من جهة أخرى.

الملاحظ في هذه الأيام أن كثيرا من أئمة المساجد لا يعرف خطورة مهمته ودوره الحقيقي المنوط به لخدمة دينه وأمته، فتجد الإمام لا يدخل المسجد إلا للصلاة فقط في وقت الإقامة، وقلما يجلس بعد انتهاء الصلاة، فهو آخر الناس دخولا للمسجد وأولهم خروجا، وتجد أن أكثر رواد المسجد لا يعرفونه ولا يعرفهم وليس بينه وبينهم علاقة فهو يأتي إلى المسجد لأداء وظيفة لا أكثر، وقد أوجد ذلك فجوة كبيرة وهوة سحيقة بين الإمام والمأمومين، فليس هناك أي نوع من التواصل بينه وبين رواد مسجده، فلا هو يتفقد غائبهم ولا يعود مريضهم ولا يعلم جاهلهم، وليس له دور يذكر في تعليم وتثقيف الشباب ونشر الوسطية بينهم، بل إن بعضهم ربما تخلف حتى عن كثير من الفروض لقضاء مصالحه الشخصية أو يكون كثير الأسفار يترك مسجده أياما وأسابيع فيجتهد الناس في اختيار من يؤمهم في الصلاة بعد أن يعيهم الانتظار.

كنت أصلي العصر يوما في أحد المساجد وجاء الإمام كعادته بعد نصف ساعة من الأذان وأقيمت الصلاة وبعد أن سلم التفت إلى المأمومين وأمسك بكتاب جواره وأخذ يقرأ حديث أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيِّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بالأسواقِ جِيفَةٍ بِالليل حِمارٍ بالنَّهارِ عالمٍ بأمرِ الدُّنيا جاهلٍ بأمرِ الآخِرة) صحيح ابن حبان.

ثم أغلق الكتاب وانصرف دون أن يعلق على الحديث أعلاه ولو ببيان معاني الكلمات الواردة فيه، فقمت خلفه مسرعا حتى أدركته وسلمت عليه وهو تبدو عليه علامات القلق وأمارات العجلة، فسألته أليس من الأفضل أن تبين للناس معاني مفردات الحديث فهل تعتقد أن الناس يفهمون معنى كلمة (جعظري) وكلمة (جواظ) فرد على بأن المطلوب منه فقط هو قراءة الحديث وليس شرحه للناس. لم أناقشه كثيرا وتركته وانصرفت وأنا أقول في نفسي أي نوع من الأئمة هذا وهل يظن أنه يقرأ الحديث على الأصمعي والخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه، وأين قيامه بالأمانة المنوطة به من تعليم الناس وتثقيفهم ورعايتهم في أمور دينهم.

إن هذا وأمثاله من الأئمة الذين بلينا بهم في مساجدنا هم أساس نكبتنا في كثير من الأمور، فقد تركوا شباب الأمة فريسة للفرق المنحرفة وأصحاب العقول المريضة الذين يكفرون الناس ويستحلون دماءهم المعصومة، فلو أن كل إمام قام بواجبه في مسجده وأدى الأمانة الملقاة على عاتقه لما انحرف شبابنا يمنة ولا يسرة، ولما وجدنا جيوشا من الجهلة الذين يخرجون هنا وهناك على القنوات وفي وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يعادون دينهم ويتندرون على ثوابت الدين.

___________

  • المصدر: عودة ودعوة.

[ica_orginalurl]

Similar Posts