د. محمد محمود النجدي

أكّدت كل دعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام على توحيد الإلهية، خصوصا دعوة خاتم الرسل نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فكان يطالب الناس

توحيد الله تعالى

توحيد الله تعالى

بقول‏:‏ (لا إله إلا الله)، المتضمنة لعبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، فكانوا ينفرون منه ويقولون‏:‏ ‏{‏أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ‏}‏.‏

وحاولوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يترك هذه الدعوة –دعوة التوحيد- ويخلي بينهم وبين عبادة الأصنام، وبذلوا في ذلك معه كل الوسائل؛ بالترغيب تارة وبالترهيب تارة، فعرضوا عليه المال والجاه والنساء، وهو عليه الصلاة والسلام يقول‏:‏ ‏”‏ما أنا بأقدر على أنْ أدع لكم ذلك، على أنْ تُشعلوا لي منها شُعلة، يعني: الشمس”. (أخرجه الطبراني في الأوسط). الصحيحة للألباني 92.

وكانت آيات الله تتنزل عليه متتابعة، بالدعوة إلى التوحيد والصبر عليه، والرد على شبهات المشركين، وإقامة البراهين على بطلان ما هم عليه‏.‏

وقد تنوعت أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الإلهية، وهانحن نذكر جملة منها؛ فمن ذلك:‏

   1 – أمره سبحانه بعبادته وترك عبادة ما سواه؛ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏}، وقوله‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏}‏.‏‏.‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏.

2- ومنها إخباره سبحانه أنه خلق الخلق لعبادته؛ كما في قوله تعالى:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏.

   3 – ومنها إخباره أنه أرسل جميع الرسل بالدعوة إلى عبادته، والنهي عن عبادة ما سواه؛ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏‏.‏

4- ومنها الاستدلال على توحيد الإلهية: بانفراده بالربوبية والخلق والملك والتدبير؛ كما في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ‏}‏‏.‏

5- ومنها الاستدلال على وجوب عبادته سبحانه، بانفراده بصفات الكمال، وانتفاء ذلك عن آلهة المشركين؛ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا‏}‏، وقوله عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام‏،‏ إنه قال لأبيه‏:‏ ‏{‏يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا‏}‏ ‏.‏

   6 – ومنها تعجيزه لآلهة المشركين؛ وبيان ضعفها وفقرها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ‏}‏‏.‏

   7 – ومنها تسفيه المشركين الذين يعبدون غير الله تعالى؛ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ‏}‏.‏

   8 – منها بيان عاقبة المشركين الذين يعبدون غير الله، وبيان مصيرهم ومآلهم مع من عبدوهم، حيث تتبرأ منهم تلك المعبودات في أحرج المواقف؛ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ‏}‏. وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ‏}‏. وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ‏}.

   9 – ومنها ردّه سبحانه على المشركين، في اتخاذهم الوسائط والشفعاء بينهم وبين الله تعالى، بأن الشفاعة ملكٌ له سبحانه؛ لا تُطلب إلا منه، ولا يشفع أحدٌ عنده إلا بإذنه، بعد رضاه عن المشفوع له؛ قال سبحانه:‏ ‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ. قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏. وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى‏}‏؛ فبيّن سبحانه في هذه الآيات أن الشفاعة ملكٌ له وحده، لا تُطلب إلا منه، ولا تحصل إلا بعد إذنه للشافع، ورضاه عن المشفوع له.‏

   10 – ومنها: بيانه سبحانه أن هؤلاء المعبودين من دونه، لا يحصل منهم نفعٌ لمن عبدهم، من جميع الوجوه، ومَن هذا شأنه لا يصلح للعبادة، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ‏}‏.

   11 – ومنها: أنه سبحانه ضرب أمثلةً كثيرة في القرآن، يتضح بها بطلان الشرك، من ذلك قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ‏}‏؛ فشبه سبحانه التوحيد في علوه وارتفاعه، وسعته وشرفه بالسماء، وشبّه تارك التوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين؛ لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر، وشبّه الشياطين التي تقلقه بالطير التي تمزق أعضاءه، وشبه هواه الذي يبعده عن الحق، بالريح التي ترمي به في مكان بعيد‏.‏

   وكقوله ‏{‏ضرب الله مثلا رجلًا فيه شركاءُ متشاكسون ورجلًا سلمًا لرجل هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا…}‏. فالعبد الذي فيه شركاء مختلفون وليسوا متفقين على أمورهم، فكل له مطلبٌ يريد تنفيذه، فلا تحصل له الراحة، فلا يستوي هو ومن هو عبدٌ خالص لرجل، يعرف مقصود سيده، وتحصل له الراحة.

   وغيرها من الأمثلة الكثيرة في القرآن الكريم، ذكرها الله سبحانه لبيان بطلان الشرك، وخسارة المشرك في الدنيا والآخرة‏.‏

وما سقناه من أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الإلهية، وإبطال الشرك، قليل من كثير، وما على المسلم إلا أنْ يقرأ القرآن بتدبر، ليجد الخير الكثير، والأدلة المقنعة، والبراهين الساطعة، التي ترسخ عقيدة التوحيد في قلب المؤمن، وتقتلع منه كل شبهة‏.‏

  نسأل الله تعالى أن يعلمنا من كتابه ما جهلنا، ويذكرنا منه ما نسينا، إنه هو السميع العليم.

—–

المصدر: مجلة البشرى.

[ica_orginalurl]

Similar Posts