موقع إسلاميات

في قراءتنا الحديثة لكتاب العوائق للشيخ الراشد توقفنا عند علاج ناجع للعوائق التي سيتعرض 9389لها الداعية والأخ عندما يبدأ سيره في طريق العمل الحركي والتربوي وهى أن يكون مع الله في كل حال ومع سير المرتقي في هذا الحال والطريق سيعترض طريقه العائق الأساسي والمشكلة الكبرى وهى الهوى … نسير مع الراشد وهو يوضح لنا معنى الهوى وأسبابه وآثاره ثم طرق علاج الهوى فيقول :

هنا: يميل بصره إلى أدنى فيهوله احتمال السقوط بدفعة من شيطان عدو، فيحذو ويخشى هوى يهوي به نزولا وتدحرجًا، فيشرع يدرس أوصاف هذا الهوى، من قبل أن ينقض عليه في أعالي جوه وهو لا يعرفه، ويسأل فقهاء القلوب من زاهد وشاعر، ينعتونه له.

فإنما سمي الهوى (لأنه يهوى بصاحبه) كما يقول الشعبي، التابعي الكوفي أي أنه مشتق من السقوط وقول الله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) معناه: سقط وجنح للغروب فالذي يتمكن منه الهوى، ويخالف دلالة القرآن والحديث ووصايا الفقهاء: لن تراه إلا في تعثره ووقوع يكبه على وجهه، لا يعرف اتزانًا ولا صعودًا.

سبب الهوى

وسببه: وسخ يكون في القلب، من طمع وحسد وانتصار للنفس، يحجب الرؤية أو يشوشها، كالذي ينظر من وراء زجاجة سوداء أو يضاف إلى ذلك: ضعف عين الهاوي، تكون مقلته شوساء، متقاربة الأجفان، ضيقة المجال، فتزداد صورة الحق الشرعي عنده غبشا ولا تتكامل.

ولذلك أوصاه الشاعر أن:

انظر، وإياك الهوى، لا تمكنن *** سلطانه من مقلة شوساء

فجراثيم تلك الأوساخ تغزو المقلة الشوساء، فتلتهب، فتُعمي إن لم تعالج، كما أن تلك الجراثيم تكثر في نفس القلب، حتى يقف نبضه، فيكون الهوى ناقصا لحيوية البداية النابضة ..

فتذكر أخي وأنت تقرأ معي الطمع والحسد والانتصار للنفس  ..

الهوى أسر وقيد

ما هي آثار الهوى؟ اقرأ معي لتعرف أن تلك الآثار قاتلة، يقول الراشد :

ومع أن ابن آدم محتوم الأجل، وأنه: “أسير عمر يسير” فإنه يضع نفسه في أسر آخر يختاره، لو خلا إلى نفسه لعجب كيف اختاره كذلك وصفه ابن تيمية، فإنه لما سجن لم يظهر حزنا، وقال: “المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه فجعل الهوى أسرًا”.

مع ذلك ترى الناس يقعون فيه مرة بعد مرة، لما فيه من إغراء، والعاقل يقيد نفسه عنه إن جربه مرة، ألا يسهو فيستجيب ثانية للإغراء، فيكون كحر لم يصب أصل الحرية واعتنى بصورتها، فمد يديه لقيد الهوى، أو كعبد استخذى لتعبيده لما خدعوه وبدلوا أسماء القيود، وجاءه الناصح الأمين الصريح بقيد يحوطه عن مشيه إلى الهوى، فرفضه.

وهُما مَن تعجب عبد الوهاب عزام لقلة معرفتهما، فقال:

“قيد الحر نفسه برضاه وأبي في الحياة قيد سواه وترى العبد راضيا كل قيد غير تقييد نفسه عن هواه والحقيقة أن هذا القيد الثاني الذي يمنع الانفلات إلى الهوى ليس بقيد وإن استعار اسمه، وإنما هو محض ارتباط بالله وأمره ونهيه، يظن القلب الساذج أنه من جنس القيود، فيطلب التحرر منه، فيستدرجه إغراء الهوى، فيجوب ميادينه وعرصاته، يحسب أنه المتحرر، وبئست حرية الأهواء.

جزم وليد الأعظمي بذلك، ولم يجعل بين الحالتين إلا حدًا واحدًا، فقال: والقلب ما لم يكن بالله مرتبطًا فإنما هو بالأهواء جواب ..

حرية اسمها: الارتباط. أو تقلب ودوران اسمهما: الحرية.

تنازع يقود إلى البطالة

وللهوى أربع مضرات أخر سوى هذا الأسر، رآها ثقات الأطباء عند أهل الهوى وأحصوها:

منها: أنه يصد عن الحق، بحيث تأتي بالدليل والحجة، فيجحدهما الهاوي، وكان أعظم تخوف أمير المؤمنين علي رضي الله عه من ذلك، فقال متشددًا: “إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل، و اتباع الهوى فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق”.

ومنها إفساد العقل، فتكون اجتهاداته معيبة غير موزونة إن الهوى يفسد العقل السليم ومن يعص الهوى عاش في أمن من الضرر .

ومنها التنازع بين الإخوان، وتطوير اختلاف وجهات النظر إلى تخالف بين القلوب.

وقد استقصى سيد قطب أخبار المختلفين، فتبين له أنه: “ليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق في غيرها، وإنما هو وضع الذات في كفة، والحق في كفة، وترجيح الذات على الحق ابتداء”.

ومنها – وليس بآخرها – : البطالة، وترك الجماعة، والقعود عن العمل والمشاركة في أبواب الخير التي يطرقها الدعاة، حتى ينسى معنى النشاط ومغزى الدعوة، فإنها:

ثلاث مهلكات لا محالة: هوى نفس يقود إلى البطالة، وشح لا يزال يطاع دأبــا، وعجب ظاهر في كل حـاله ..

هل علمت الآن سبب الكثير مما تراه في الصف من الكثير من الدعاة ومع هذه الآثار القاتلة يتبين لنا أهمية وضرورة العلاج .

ضرورة علاج الهوى

وأضر من هذه الأضرار كلها: أن يكون المرء متماديا لا يعالج هواه، غير مسرع إلى مخالفته، حتى أن مثل أبي العتاهية يضجر ويتأفف من برودة صاحبه في ذلك، فيخاطبه:

خالف هواك إذا دعاك لريبة *** فلرب خير في مخالفة الهوى

حتى متى لا ترعوي يا صاحبي.. حتى متى؟ حتى متى؟ وإلى متى؟

ويتعجب ثانية لفتوره وعدم المسارعة إلى الإصلاح فيقول:

“سبحان ربك كيف يغلبك الهوى سبحانه، إن الهوى لغلوب، سبحان ربك ما تزال وفيك عـن إصلاح نفسك فترة ونكوب”.

وكان صاحبه مثل بعض من نراهم اليوم، ينكرون تلبسهم بالهوى، لا يكتشفونه، فيقعدون عن تداو وعلاج، ولكن الطبيب الماهر يكتشف وإن لم يحسوا به، ومن يطع الهوى يعرف هواه وقد ينبيك بالأمر الخبير فالخبير، ومن عنده علم الفتن وصفات الشر: يعرف الهوى الكامن المستقر من آثاره الظاهرة لا محالة.

ولذلك يجب الإصغاء لطبيب خبير من السلف طلب منا إضعاف هذا العدو فقال: “الهوى لا يترك العبودية تصفو، وما لم يشتغل السالك بإضعاف هذا العدو الذي بين جنبيه لا تصح له قدم، ولو أتى بأعمال تسد الخافقين والرجل كل الرجل من داوى الأمراض من الخارج، وشرع في قلع أصولها من الباطن، حتى يصفو وقته، ويطيب ذكره، ويدوم أنسه”.

سماها رجولة، ووافقه مصطفى صادق الرافعي في ذلك، فقال: “إنما الرجولة في خلال ثلاث: عمل الرجل على أن يكون في موضعه من الواجبات كلها قبل أن يكون في هواه، وقبوله ذلك الموضع بقبول العامل الواثق من أجره العظيم، والثالثة: قدرته على العمل والقبول إلى النهاية”.

ولو استقام العاملون على هذه الثلاث لما وجدت فتنة مجالا للظهور أبدًا، أداء الواجب بانتظار الأجر الرباني لا الثناء العاجل ولا الرئاسة..

نعم، هو علاج صعب لكنه لذيذ صعب وشديد، كما قال أبو العتاهية:

أشد الجهاد جهاد الهوى *** وما كرم المرء إلا التقى

وأخلاق ذي الفضل معروفة *** ببذل الجميل، وكف الأذى

أي كف أي ظنون وأذى لسانه، عن المؤمنين، ويزداد شدة إن أطال الإهمال، فيما قرر المحدث الثقة الزاهد الكوفي محمد بن كناسة في قوله: “إذا اعتادت النفس الرضاع من الهوى فإن فطام النفس عنه شديد”.

لكن صعوبة هذا العلاج تخف بعد المباشرة فيه، ويأتيه المدد من رب رحيم.

وحين ذاك، ومع كل جولة ينتصر فيها على هواه، ينتشي ويلتذ لذة ليس كمثلها لذة، كلذة من يرتقي قمة صعبة ويعلوها، فإن: “في قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة”، كما يقول ابن الجوزي.

وإنما نعني بعلاج الهوى: مناقضته ومخالفته، والعمل بضد ما ينادي، كما ورد في قول الشاعر:

هي النفسُ إن أنتَ سامَحتَهَا *** رَمَت بكَ أقصَى مَهَاوِي الخَدِيعة

وإن أنتَ جشَّمتَهَا خُطَّةً تُنافي *** رضاها تَجِدهَا مُطِيعَة

ولا تعبأنَّ بميعادها *** فميعادُها كسرَابٍ بقِيعَة

بل ربما ذلك لا يكفي، فإنه يراوده مرة أخرى، ولكن نحتقره على طريقة سيد الزهاد إبراهيم بن أدم حين وصفه ابن أخته محمد بن كناسة: أهان الهوى حتى تجنبه الهوى فنزدريه، ونهزأ به، ونضحك عليه، حتى يولي مدبرًا، يتجنب المرور عبر دربنا بعدها أبدا..

[ica_orginalurl]

Similar Posts