إعداد/ نهال محمود مهدي**

طفل يتأمل

يعجز الآباء غالبا عن الرد المنطقي على أسئلة أطفالهم.

يقف الآباء مذهولين أمام أسئلة وشكوك أبنائهم، يتعجبون من قدرة مخيلاتهم اليافعة على التفكير بتلك الطريقة المباغتة، ويعجزون غالبا عن مجاراتهم والرد المنطقي على أسئلتهم حول الخالق و أصل الكون ومعنى الحياة.

ربما لا يدرك الآباء حينها أنهم هم من بذروا بذور الشك والريبة في عقول أبنائهم الخصبة حينما كانوا أطفالا.. فعبارات السخرية أو التقليل من أسئلة الصغار، ونظرات التعجب والدهشة، والإجابات الساذجة المغلوطة لن تحول بين الطفل ورغبته في معرفة حقيقة استفهامه.. فيظل حائرا حتى يظن أنه عثر عليها بعد أن يقع ضحية لمجموعات أو مواقع إلكترونية أو أشخاص يوجهونه لخدع الملحدين وأباطيلهم.. وحينها لن تفلح محاولات استقطاب المراهق الثائر من جديد.. فُقدت الثقة.. وقُضي الأمر.

ومن خلال مجموعة من المشاهدات وقصص وتجارب الكثيرين يمكننا تكوين تصور لمجموعة من القواعد الأساسية التي ينبغي مراعاتها عند تعامل الأسرة مع الطفل المتشكك…

  • إذا كنت لا تعلم كيفية إجراء حوار مع الطفل فعليك بالتعلم.
  • كن صادقا في إجابتك ولا تعمد للكذب أيا كان السؤال.
  • احرص على تبسيط إجابتك لتصبح سهلة الفهم وتلائم عقل الصغير.
  • لا تعامل طفلك باعتباره غبيا فهو يستطيع إدراك ما ترغب في توصيله إن أحسنت الأسلوب.
  • لا تعاتب صغيرك ولا تسخر منه ولا تنهره على سؤاله أيا كان.
  • لا تخف ويصيبك الرعب من استفهامات الطفل حول الخالق ومن عدم قدرته على تصور وجوده.
  • لا تتردد في طلب إعطائك مهلة للبحث عن الإجابة، فأن تظهر في صورة الباحث عن المعرفة أفضل من صورة مدعي العلم الجاهل به.
  • احتواء الطفل واستيعابه واحتضانه نفسيا وواقعيا يساعدانه كثيرا على تقبل شرحك لما صعب عليه.

وإليكم عرضا لمجموعة من الطرق والأساليب التي وضعها المتخصصون لإدارة الحوار بين الطفل ووالديه وتحديدا إذا تعلق الأمر بالسؤال عن ذات الله وخلق الكون وطبيعة الجنة والنار…

في التقرير التالي سنحاول عرض ما قدمه المتخصصون من نصائح للآباء والأمهات لمساعدتهم على استيعاب أسئلة الأطفال والتعامل السليم معها…

من هو الله؟ وأين يعيش؟!

_ يقول د/ مصطفى أبو سعد[1]: يبدأ الطفل بالأسئلة في نهاية سن الثانية حتى سن الخامسة وتكون تلك الأسئلة ناجمة عن عدة دوافع.. كخوف الطفل ورغبته في الاطمئنان أو رغبته بالمعرفة أو لجذب انتباه والديه أو لسعادته أنه استطاع أن يتقن الكلام والفهم وغيرها من الأسباب.. ومن الأسئلة الشائعة مجموعة من الأسئلة الدينية: كيف هو الله؟ وأين يعيش؟ ماهو الموت؟

طفل يفكر

يبدأ الطفل بالأسئلة في نهاية سن الثانية حتى سن الخامسة

وللإجابة عن أسئلة من هذا النوع يجب أولاً أن يكون لدي الآباء حد أدنى من الثقافة الدينية تسمح لهم بنقل المفاهيم الدينية الأولية التي تفسر لأطفالهم الأمور الغيبية فما أن يكبر الطفل حتى يسمع عن الله الذي ((سيحرقه)) إذا ما أخطأ ويدخله النار فيشعره ذلك بالخوف والرهبة من الله مع أنه من المفترض أن يكون أول شعور يربطه بخالقه هو الحب والأمتنان وليس الخوف.

لذا على الآباء الحرص على إفهام الطفل مبكرًا أن الله هو من خلقه وأن الله يحب الأطفال كثيرًا وأنه أعطاه أباه وأمه وأعطاه أيضًا الكثير من النعم وعندها سيسأل أين الله؟ علينا حينها أن نشرح له أن الله موجود في السماء ولكنه يستطيع أن يراقبنا في كل مكان وأننا لا نستطيع الاختباء منه ولو كنا داخل صندوق وربما يسألك الطفل كيف هو الله وهل شكله مثل الإنسان ؟ أجيبيه أن الله مختلف عن الإنسان؛ فالإنسان لا يستطيع أن يخلق إنسانا ولكن الله يستطيع ذلك ويستطيع فعل أي شئ.

** كيف يرانا الله ونحن لا نراه؟

الله أعلى منا بكثير، لذلك فهو يرانا كلنا في وقت واحد، مثل الذي يصعد إلى سطح العمارة فهو يرى كل الناس في الشارع وهم لا يرونه، فالله سبحانه يرانا ونحن لا نراه.

** ماهو الموت؟

طفلة خائفة

حين يسمع الطفل عن الموت والقبر غالبا ما سيملؤه الرعب

قد يمر الطفل بحالة وفاة في العائلة وتكون تلك أول مواجهة له مع الموت ولا نعلم ماهي المشاعر التي ستنتابه حين يسمع عن الموت والقبر فغالبا ما سيملؤه الرعب من ذكر هذه الأمور لذا علينا أن نبادر بشرح معنى الموت للطفل بدون كذب عليه ومحاولة اقناعه بأن الشخص المتوفي مسافرمثلاً فسرعان ماسيعلم الحقيقة من الآخرين.

نشرح للطفل ببساطة أن الموت مثل النوم لا يخيف وأن الميت يذهب ليعيش في السماء وأننا كلنا سنموت عندما نكبر ونلحق بكل من ماتوا قبلنا ونعيش معهم في الجنة لو كنا أشخاصا صالحين وأن دفن الميت هو مثل خلع الملابس القديمة واستبدالها بملابس جديدة تتناسب والحياة الجديدة في الجنة.

استفض في شرح ما في الجنة من مزايا لكل الأطفال الذين يسمعون كلام الله وكلام أهلهم واسبح مع طفلك في عالم الخيال في الجنة حيث هناك سيتمكن من فعل أمور رائعة كقيادة القطار في السماء والسباحة مع الأسماك (ستلاحظ مدى استمتاع طفلك بهذا الحديث).. تحاشى أن يكون عقابك لطفلك بأن الله سيدخله النار ولا تصفها له بشكل مرعب. فمجرد حرمان الطفل من دخول الجنة  يعتبرعقابا قاسيا.

** لماذا خلق الله الأشرار؟

يمكنك أن تجيب أن الله سبحانه خلق الناس وأعطاهم الحرية أن يختاروا فعل الخير أو الشر، فأنت تستطيع أن تكون مهذبًا، وتستطيع أن تكون غير مهذب، ولكن عليك أن تتحمل النتائج، وهذه نعمة من الله وحكمة؛ فالأشرار يستطيعون أن يكونوا طيبين ودورنا أن نساعدهم على ذلك، فإذا رفضوا وأصروا على الشر فواجبنا أن نمنع شرهم عن الناس حتى يحبنا الله تعالى ويكافئنا.

** ماهو يوم الحساب أو القيامة؟

يوم الحساب هو يوم يحاسب الله فيه الناس على ماقدموا من أعمال في هذه الدنيا فمن عمل الخيرأوأطاع الله يدخله الجنة ومن عمل شرا وعصى الله يدخله النار.

** أين توجد الجنة وماذا فيها؟

الجنة مكان جميل وفيها كل شيء تتمناه.. فيها ملاهي وشيكولاته وحلويات ولعب وكل شي تحبه، يذهب إليها الناس الصالحون الذين يعملون الخير ويسمعوا لكلام الأم والأب.

** أين توجد النار وماذا فيها؟

النار مكان سيء وقبيح لا يوجد بها ألعاب ولاهواء يعاقب بها كل من يعمل الشر ولايسمع كلام ماما وبابا أو يؤذي أصدقائه ويعصي الله ولا يطيع أوامره.

مراحل التطور الديني عند الطفل

طفلة مع الزهور

استغل هبوط المطر و تفتح الورود كي تحدث أطفالك عن الله.

في حين تنصح د/ أميمة عليق[2] الآباء قائلة:

لا تنس أبداً

  • أن إحساسك بوجود الله الرحيم والمحب ينتقل إلى أطفالك ويؤثر على نظرتهم له سبحانه وتعالى.
  • أنك الفرد الأول والأهم الذي يجب أن يحدث أطفالك عن الله.
  • استغل هبوط المطر وتساقط الثلج و تفتح الورود وولادة طفل كي تحدث أطفالك عن الله.
  • اشكر الله على كل ما يحيط بك من نعم بصوت عال فيتعلم أطفالك الشكر مثلك.

مضيفة: يقسم العلماء التطور الديني عند الأطفال إلى خمس مراحل مختلفة المرحلة الأولى ما قبل سن السابعة وتعتبر المرحلة ما قبل الدينية، التفسير الديني في هذه المرحلة هو تفسير سحري وخيالي لذلك ينظر الطفل في هذه المرحلة إلى الله على أنه مخلوق خارق، قوي، خلق كل شيء.

 وأيضاً الأطفال في هذه المرحلة  يرددون الكثير من الكلمات الدينية دون أن يفهموا معانيها، المرحلة الثانية بين الثمانية والتسع سنوات وتعتبر المرحلة الأولى للتفسير الديني الناقص وهم يحاولون أن يصلوا إلى مرحلة التفسير المجرد ولكنهم لا ينجحون ولكن في هذه الفترة يقل الخيال ويصبح أكثر واقعية مع أن المفاهيم الدينية هي مجردة لكن تبقى المفاهيم ناقصة.. مثلاً يتصورون الله إنساناً خارقا أو قويا جداً أو غير عادي.

 المرحلة الثالثة وهي المرحلة الثانية في التفسير الديني الناقص بين التسعة والإحدى عشرة سنة، يستطيعون أن يخرجوا من الخيال الذي يعيشون فيه والطفل في هذا العمر يلجأ إلى التفكير المادي بين الأفكار الدينية وهنا نصفها أيضاً أنها مرحلة ناقصة، يربط فيها الأمور ببعضها لكن يلجأ إلى الربط المادي بين الأفكار الدينية.

 المرحلة الرابعة وهي من الإحدى عشرة إلى الثالثة عشر وهي المرحلة الدينية .. الطفل بدأ يقترب أكثر من المرحلة التجريدية ولكن ما زال تفكيره حول الله مربوطاً بالأمور العينية التي يراها، بعض الأطفال يقولون أن الله يتكلم كما نتكلم نحن مع بعضنا أو أن الله يتكلم مع الإنسان، وفي العمر بعد الثالثة عشر يتجه الطفل إلى الإدراك المجرد لله يعني ينظر بشكل تجريدي إذا صح التعبير ويقترب تفكيره إلى الله وإدراكه إلى الله بشكل إنساني.

وتحذر أخيرا من:

  • أن ينسب الآباء المصائب والأمراض إلى الله فيؤثر ذلك على نظرة الطفل لله.

والله أخرجكم لا تعلمون شيئا…

طبيعة خلابة

أحسن الأجوبة عن الذات الإلهية أن يتمَّ صَرْفُ ذِهْنِ الطفل من التفكير في ذات الله إلى التفكر في آلائه كالبحر والشجر والزهر.

أما الأستاذة عائشة الحكيمي[3] فتعبر عن وجهة نظرها في هذا الموضوع بقولها: يولَدُ الطفلُ وهو لا يعلَمُ شيئًا، ولا يعقل إيمانًا ولا كُفرًا؛ يقول الله – عز وجل -:”وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل:78)، إلا أنه بهذه الحواسِّ التي يشرف منها على الأشياء؛ مِن مبصرات، وأصوات، وروائح، ومذوقات، وملموسات، يبدأُ رحلةَ الاستكشاف والإدراك لفَهْم هذا العالم، بما يَرِدُ على نفسه مِنْ أسئلةٍ.

وفي تقديرها أن أحسن الأجوبة عن الذات الإلهية أن يتمَّ صَرْفُ ذِهْنِ الطفل من التفكير في ذات الله إلى التفكر في آلائه وعجائب خلقه الدالَّة عليه؛ كالسماء، والسحُب، والنجوم، والشمس، والقمر، والبحر، والشجر، والزهر.

بعدما قدمناه من عرض سابق أعتقد أن من كان يظن أنه يعاني خللا عميقا في تربية أطفاله ترتب عليه تلك الأسئلة الشائكة اتضح له أنه لم يكن محقا، وأن الأمر أبسط مما تخيل.. وأن تلك الحالة عند الأطفال هي في حقيقتها ظاهرة صحية تعبر عن تطور طبيعي وتسلسل منطقي في تفكير الطفل وقدراته العقلية.. وأن العيب إن وجد فهو في عدم قدرة الآباء على استيعاب نمو الطفل وتفتح آفاق عقله واستقباله لمكنونات الكون والوجود من حوله.

الهامش:

[1] – الصفحة الشخصية لدكتور مصطفى أبو سعد على الفيس بوك

https://ar-ar.facebook.com/permalink.php?story_fbid=814456451897788&id=239387229404716

[2] – ماذا نجيب أبنائنا حين يسألون عن الله والغيب؟ http://arabic.irib.ir/programs/item/3536

[3] – http://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/47185/#ixzz3jdw5pZvv

 _________________________________

** محررة موقع الباحث عن الحقيقة

[ica_orginalurl]

Similar Posts