صورة للمسجد الأزرق بتركيا.

يجب علينا تجاه بيوت الله أن نصونها من الأوساخ والقاذورات، وأن نتعهدها بالحفظ والرعاية وأن نميط عنها ما يدنسها من أقذية، وأدناس ولو يسيرة، وأن نبتعد عن الوسائل الذي تزيدها أذى.

يجب علينا تجاه بيوت الله أن نصونها من الأوساخ والقاذورات، وأن نتعهدها بالحفظ والرعاية وأن نميط عنها ما يدنسها من أقذية، وأدناس ولو يسيرة، وأن نبتعد عن الوسائل الذي تزيدها أذى، وأن نوصد كل باب يلج منه ما يشي بعدم احترامها ويوحي بالاستخفاف بها وإهمالها.

قال الحبيب المصطفى معلمنا وقدوتنا (صلى الله عليه وسلم) في حديث أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه قال: “جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) فلما قضى بوله أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بذنوب من ماء فأهريق عليه” (رواه البخاري ومسلم).

فلم نهاهم الرسول الرفيق بأمته عن زجره؟ خوفا من أن ينذعر فيعدو جريًا فيلوث بقعًا أكثر من المسجد ويلوث ثيابه فتحصل مفاسد أشد.

ومما يستحب استحبابًا متأكدًا كنس المساجد وتنظيفها. فعن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق (رضي الله عنها) قالت: أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب وعن أنس (رضي الله عنه) قال: “قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أؤتيها رجل ثم نسيها” (رواه أبو داود). وفي هذا حض وترغيب في تنظيف المساجد من كل ما يطرأ عليها من الأوضار والأدناس حتى الكناسات القليلة، والقمامات الضئيلة في إزالتها أجور تكتب وتعرض على النبي الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا في الأشياء الضئيلة الخفيفة ففي الكبيرة أوفر أجرًا وأعظم مثوبة. وعن سمرة بن جندب قال: “أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها.” (رواه أحمد) ورواه أبو داود ولفظه: “كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها”.

وكان تعظيم المسجد بالخدمة مشروعًا في الأمم الماضية، ألا ترى أن الله حكى عن حنة أم مريم أنها لما حبلت نذرت لله تعالى أن يكون ما في بطنها محررا، يعنى عتيقا يخدم المسجد الأقصى ولا يكون لأحد عليه سبيل، ولولا أن خدمة المساجد مما يتقرب به إلى الله لما نذرت به، وهذا معنى قول ابن عباس: “نذرت لك ما في بطني يعني محررا للمسجد يخدمه” وفى لفظ “يخدمه”، وساق البخاري (رحمه الله) حديثًا عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ولا أراه إلا امرأة، فذكر حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه صلى على قبره” (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4/ 232- 233).

ومما ينبغي أن تصان عنه المساجد البزاق فيها لحديث: “البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها” (رواه البخاري ومسلم).

وإذا بدر المسلم البصاق وهو في المسجد فليبزق في ثوبه ويحك بعضه ببعض، وإن كان في غير المسجد يبصق عن يساره أو تحت قدمه  لحديث أبي هريرة (رضي الله عنه): “أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال: ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا “، ووصف القاسم، فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض” (رواه مسلم).

ولا يجوز لأحد أن يتعمد البصاق في المسجد، لكن لو كان فعل ذلك لعذر فما كفارة ذلك. قال: يدفنها لئلا يؤذي إخوانه المسلمين برؤيتها أو التقذر منها؛ لأن النفوس تتقزز من ذلك وتنفر منه وتستقبحه، فإن كانت الأرض مبلطة فيزيلها بالحك حتى لا يبقى لها أثر.ويدلك بصاقه برجله اليسرى لما روي عن أبي العلاء بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه) وسلم تنخع فدلكه برجله اليسرى” (رواه النسائي).

ومن رأى من يبصق في المسجد لزمه الإنكار عليه ومنعه منه إن قدر، ومن رأى بصاقًا أو نحوه في المسجد فالسنة أن يزيله بدفنه أو إخراجه ويستحب تطييب محله. وأما ما يفعله كثير من الناس إذا بصق أو رأى بصاقا دلكه بأسفل مداسه الذي داس به النجاسة والأقذار فحرام؛ لأنه تنجيس للمسجد أو تقذير له، وقد صرح نبي الهدى والرحمة (صلى الله عليه وسلم) بنهي من أكل ثُوما أو بصلا مما له رائحة كريهة عن قربان كل مسجد” فعن جابر (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “من أكل الثوم والبصل والكرات فلا يقربنّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى بنو آدم” (رواه البخاري ومسلم).

ويلحق بها كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها كالفجل لمن كان يتجشأ، ومن به جروح معفنة، أو يتعاطى شرب الدخان، أو كان قذر الثياب منتن الرائحة؛ لأنه يؤذي إخوانه المسلمين بما يصدر منه من روائح مستقذرة ومسترذلة، ولهذا سن الاغتسال ولبس أحسن الثياب والتطيب للجمعة والعيد والإحرام.

فينبغي لكل مسلم ألا يدخل المسجد إلا وهو طيب الرائحة منظف نفسه وثيابه عن كل ما من شأنه يزكم نفوس المصلين ويؤذيهم مما ينبعث منه من روائح قذرة منتنة تصدر عمن أكل طعاما منهيا عنه كالثوم والكرات والبصل، أو تنم عن عدم شعور المسلم وعدم مبالاته بما يقلق إخوانه المصلين مما يزعجهم ويذهب عنهم الخشوع والارتياح في الصلاة، أو ينتج عنه سب هذا الرجل والوقوع في عرضه لإهماله النظافة في ملبسه وبدنه مما قد يتولد عنه أمراض قد تكون مزمنة، كرائحة الدخان وما شابهه لأنه مضر لشاربه وشامه طبيا، ولا يعذر في هذا أحد يستطيع التخلص من الروائح المستكرهة حتى العامل الذي يمارس عملا شاقا يتقاطر منه العرق بكثرة يلزمه التنظف وإزالة ما يعلق بجسمه وثيابه من أدران وقاذورات، ولا سيما عند حضوره للصلاة في المسجد ينبغي أن يكون نزيها طاهرًا، نقي الثياب، طيب الرائحة، حتى لا يتضايق منه المصلون ويتأذى منه الملائكة وسواء في ذلك من يصلي ويطوف في الحرم المكي أو يصلي في غيره من المساجد.

__________________________

المصدر: كتاب وظيفة المسجد في المجتمع للشيخ صالح بن ناصر الخزيم.

[ica_orginalurl]

Similar Posts