سامي محمد العدواني

إن كان للدعاة من شيخ فهو نادر، وإن كان لهم من رائد قائد يمثل سقف طاقتهم ومنتهى إبداعاتهم فهو سقف الشيخ نادر جاوز المدى وبلغ الذرى فيما

الشيخ نادر النوري

الشيخ نادر النوري

قدم وأخلص، أقول هذا عن دراية لا رواية فقد خالطته سنين واقتربت منه وأدركته رجلا في إنسانيته، صلبا في عزيمته، متمرسا في دعوته، يبرق الأمل بين ثنايا حديثه، ويستنهض الروح لترقى نحو العلى.

أرسل لي صديق يعزي بوفاته -رحمه الله- يستذكر معه تاريخ علاقته قبل ثلاثين عاما حين كان يدرس في الهند ويرأس رابطة الطلاب المسلمين العرب.. قال بأننا شباب من عمر أولاده لا يتردد عن ملاطفتنا واللعب بيننا ويتحمل خشونة مخيمنا الكشفي برغم أن لضيوفنا ومحاضرينا مقرا لائقا بهم لكنه يأبى إلا أن يغمرنا بوده ويسمو بعزائمنا وهو بيننا”، ولا عجب إذا ذكره العلامة الشيخ محمد الددو بأنه “علم من أعلام الأمة”؛ فقد يذيع صيت المرء منا في العالم وهو عند أهله من عامتهم، والأكاديمي السعودي د.مسفر القحطاني يذكر عنه “متفانٍ في خدمة قضايانا الإسلامية شخصية نادرة ونوره شع في العالم كله”.

لقد أدار الراحل الكبير جمعية الشيخ عبدالله النوري وفي فترة قياسية صارت قبلة المؤسسات الإغاثية والخيرية من دول العالم حتى حصلت في العام 2011 على اختيار مجلة الفوربس – الشرق الأوسط كأفضل جمعية كويتية وحصلت على المرتبة الخامسة عربية من أصل 54 جمعية تم مراجعة نشاطها وآلية عملها.

زرت الشيخ نادر مرات في جمعية النوري الخيرية كانت لقاءات تواصل مع بعض الرموز الإنسانية والفكرية فما ردني في موعد ولا حرمني من دخول وكان شديد الإنصات والاهتمام في استقبال ضيوفه يبادر لخدمتهم وينصح لهم ويستحثهم على العمل والبذل خدمة لدينهم ودعوتهم.

ساهم الشيخ نادر في تعزيز الوجه الإنساني المشرق للكويت عبر تعامله الواسع مع مختلف المنظمات العالمية الناشطة في العمل الإغاثي والإنساني حين كان مديرا للعلاقات الخارجية بوزارة الأوقاف، وكان من عاصره يصف فيه حكمة تعامله وزهده عن المناصب قال لي يوما بعد أن واجه حماس أحد القياديين للحد من نشاطه: “لم أنافسكم على منصب ولا جاه اتركوني أخدم ديني ودعوتي”، وهو بهذا يشير إلى رساليتهم وترفعه عن الصراعات الضيقة، وأنه اشترى آخرته بدنياه، يقول عنه الشيخ نبيل العوضي “صادع بالحق، لا يداهن أحدا في الدين”.

لقد فرغ نفسه لهذا الحضور الواسع وباشر جهوده في إطلاق العديد من المؤسسات الناشطة على مستوى العالم وليس أقلها من مساهمته المباشرة في تأسيس هيئة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا ودوره في ترجمة مبادرة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية فقد كان عضيدا ومعينا للعم بويعقوب يوسف الحجي الرئيس المؤسس وبقي حتى سنوات الإجهاد الأخيرة حين قدم استقالته من أغلب مناصبه العالمية التي تربو على الـ25 منصبا بعد اعتلال صحته وتفاقم أعراض مرضه.

يحكي العلامة الشيخ محمد الددو عن الشيخ نادر النوري بأنه أثنى عليه مرة في مجلس فبكى وقال ” اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واستر ما لا يعلمون واجلعني خير مما يظنون”، ويصفه الشيخ عجيل النشمي بأنه ” أترجة مخلص عف اللسان حسن المعشر مخموم القلب همه دينه وعمل الخير سعادته”، ويستذكر الشيخ عبدالحميد البلالي صحبته ” كنت مرافقا له في الهند وأبهر الهنود في محاضرة ألقاها عن تاريخ علماء الهند وجهودهم الحضارية ودورهم في ترسيخ العلم”.

يوصف الشيخ نادر بأنه من أدباء الرحلات فهو يجول الأمصار لا ليمكث في الفنادق الفارهة ولا ليركب السيارات بل يخالط الناس ويتعرف عليهم عن قرب يتبسط أحاديثهم ويجرب الأكل من موائدهم يتأمل حياتهم ويشاطرهم همومه، كان مرجعا للعديد من المؤسسات والجهات في التوثق من تزكية الأشخاص والهيئات.

كان يوصف بقدرته على الاستيعاب وكان كثير الترحاب بالشباب يذكر عنه الشيخ جاسم المطوع بأنه “علمنا الإخلاص والصدق والتفاني في العمل الخيري والسعي الدؤوب لخدمة المسلمين”، هذا ما تلمسته عن قرب فقد كانت اجتماعاتنا التي نقضيها معا حافلة بالتوجيه والإرشاد والتعاهد على التزام القيم، وعنه يقول الشيخ محمد العوضي: “كنا نجالسه نزداد أدبا وهمة ونرتوي تربية”,

وفي الهمة يؤكد على هذه السمة في سلوكه ودأبه د.طارق السويدان بأن الشيخ نادر “رائد من رواد قيمة الهمة”، أشهد بأنه شعلة انطلاقة رابطة شباب لأجل القدس في الكويت كان الحاضن الأبرز والملهم لتوثبهم وأدائهم لرسالتهم، فتح بابه للجاليات العربية والمسلمة في الكويت وسخر ما لديه من اتصالات وعلاقات ليكون جسرا لاجتماعهم وممارسة أدوارهم بكل رحابة ومرونة وأعد لهم مجلسا في جمعية الشيخ عبدالله النوري الذي بات ملتقى لمناسباتهم ونشاطهم الاجتماعي والثقافي.

وعلى رغم دخوله في أطوار صحية ضاغطة فإنه نشط في آخر أيامه يتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي “التويتر”، داعيا لله بعد أن أقعده المرض، وحال دون دروسه ونزوله الميدان فكان ناصحا ومذكرا وأحيانا متباسطا في حديثه مرة أرسل صورة يدعو متابعيه للمقارنة بين صورة العم حمود الرومي والفاتح الليبي المعروف عمر المختار، كم كان كريما في ابتسامته الحانية التي هزتني من الأعماق مرة حين راجعته في وجهة نظره وطرحت ما لدي من قناعات فكان يفاجئني تعليقه بأن كلامه لا يلزمنا فهو طيع لما يتفق عليه، وحين كان يهذب حماسي كان يعتذر إن أثقل علي في نصحه وتوجيهه، كان كبيرا مذ عرفته حتى ودعنا .

في الثاني عشر من يناير عام 2013 عندما اشتد المرض بالشيخ نادر كان يردد دعاء ” اللهم أدعوك دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته، دعاء الغريق المضطر البائس الفقير، الذي لا يجد لكشف ما هو فيه من الذنوب إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد واكشف ما بي من ضر إنك أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

حين بلغني خبر وفاته لم أتردد لحظة في إلغاء سفري لحضور تشييعه وفاء له والتزاما بعهد دعوته، اللهم إنك تعلم مصابنا في شيخنا.. اللهم أكرم نزله ووسع مدخل وألحقنا به في عليين.

__________

المصدر: مجلة المجتمع الكويتية.

[ica_orginalurl]

Similar Posts