لخطبة الجمعة مكانة في نفوس المسلمين؛ فهي مجلس تعليم ووعظ وتذكير يستمع إليه المسلم كل أسبوع، وله أثر عظيم في تعليم الناس شؤون

خطبة جمعة

للمنبر رسالته الحضارية الأسبوعية

دينهم، وتحفيزهم على الطاعات، وتنفيرهم من الخطايا، وتذكيرهم بحقوق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق خلقه، وبها تظهر حكمة الشريعة في وجوب هذه الخطبة ووجوب حضورها والإنصات إليها، حتى يتحقق بها هذا النفع العظيم. ومهما قيل في نقد أداء خطباء الجوامع، ومهما قيل من تقصير وتفريط في العناية بهذه الخطبة؛ إلا أن ذلك لا ينفي النفع العظيم والثمرة الكبيرة لهذه الخطب في عرض العالم الإسلامي وطوله؛ ففرضية الخطبة أعطتها قدرة على التأثير في المسلمين، فهي تختص بأمور تقوي من أثرها:

1-فهي واجب دوري مستمر في وقت قصير نسبياً، فهي تأتي كل أسبوع، بما يجعل الفائدة منها متواصلة.

2- وحضورها واجب يترك من أجله حتى البيع والشراء في حاجات الإنسان ومصالحه الدنيوية.

3- والاستماع إليها واجب، فحتى الالتهاء عنها بمسّ حصى المسجد يلغي جمعة الإنسان، فضلاً عن الالتهاء عنها بما هو أقل شأناً من ذلك.

4-  وهي مرتبطة بالاستماع المباشر مع جماعة المسلمين، وبعدها صلاة واجبة…

كل هذا جعل لهذه الخطبة مكانة عميقة في النفوس، بما يجعل تأثيرها عميقاً وأثرها واسعاً.

وهذا كله لا ينفي حاجة خطبة الجمعة اليوم إلى مراجعة ونقد وتقويم لمعرفة أوجه القصور والخطأ والتفريط فيها، فيتم تلافيها، وهو بحاجة إلى دراسات إحصائية علمية تقيس أثر خطبة الجمعة على الناس في كل مدينة، ومدى تأثرهم بها، وعوامل القوة والضعف في أداء الخطباء، ما يستطيع الإنسان بعده تقويم أداء خطباء الجوامع اليوم.

وليس هدفنا الآن الوصول إلى هذه النتيجة، وإنما وضع ملامح عامة لما يجب العناية به في سبيل تطوير أداء خطباء الجوامع، وفي تحقيق تأثير أعظم وأنفع لخطبة الجمعة:

أولاً:

ضرورة تهيئة مراكز متخصصة لإعداد خطباء الجوامع في كل مدينة، تعنى بتزويد الخطيب بكافة المهارات التي تحتاج إليها الخطبة القوية المؤثرة، وتعنى بتقويم أداء الخطباء وقياس أثرهم في الواقع، إلى قائمة طويلة من المهمات التي سيضطلع بها مثل هذه المراكز المتخصصة، حتى يكون أداء خطيب الجمعة مبنيّاً على تدريب وتهيئة، وليس اعتماداً فقط على الخبرات الذاتية والاهتمام الشخصي، بل هو عمل مؤسسي متطور.

إن منبر الجمعة وسيلة فاعلة للإصلاح في مجتمعاتنا الإسلامية، إلا أنه يواجَه بتحديات كثيرة، ومتغيّرات ضخمة، وعقبات متنوعة؛ تسعى لتحجيم أثره، وتضييق دوره، وهي بحاجة إلى جهود مقابلة تستطيع تجاوزها، ولا يمكن القيام بذلك دون أعمال مؤسسية وبرامج متخصصة ذات كفاءة عالية.

ثانياً:

ضرورة الاستفادة من ذوي التخصصات المختلفة ليشاركوا الخطيب في القيام بهذه المهمة، فالخطيب يقدم خطاباً جماهيرياً يخاطب به عموم الناس ويسعى للتأثير فيهم، فهو بحاجة إلى مساندة المتخصصين في علم النفس والاجتماع والتربية والإدارة والاقتصاد، وغيرها؛ لكشف حاجات الناس، والحلول المناسبة لها، وكيفية تحقيق الهدف المنشود؛ فالتواصل الإيجابي مع التخصصات المختلفة نافع جداً في تقديم خطاب أكثر تأثيراً ونفعاً، والانعزال عنهم يحدث فجوة في تأثير خطبة الجمعة لا يمكن أن تردم.

ثالثاً:

أهمية التواصل بين خطباء الجوامع في كل بلدان العالم الإسلامي، بحيث يحصل بينهم تبادل الخبرات والتجارب، ويطّلع كل خطيب على أساليب جديدة وطرق مؤثرة، ويستمع كل واحد منهم لإخوانه الذين يشاركونه، فيستفيد منهم، ويتلقى تقويمهم لأدائه، فيحصل بهذا التواصل تطوير جماعي لأداء خطبة الجمعة، بخلاف من ينعزل بنفسه، فإنه يبقى يؤدي الأداء نفسه ولا يفيده غالباً طول المدة إلا تأثيراً يسيراً. ومع تطور وتنوع وسائل الاتصال المعاصرة أصبح بالإمكان ابتكار وسائل كثيرة للتواصل بين خطباء الجوامع في كل أنحاء العالم الإسلامي.

رابعاً:

العناية باستخراج الموضوعات المناسبة والمداخل المؤثرة في عرض الموضوع، وهو من الأمور المقلقة للخطيب الناجح، الذي يسعى لتقديم خطبة مؤثرة نافعة، إذ يجتهد في محاولة كسر الملل والرتابة والتكرار الذي يصيب خطب الجمعة كثيراً، وهو ما يحتاج إلى إبداع وابتكار وتجديد، ومثل هذا بحاجة إلى ورش عمل متخصصة تجمع الخطباء والمتخصصين لكيفية عرض الموضوعات وخلق أفكار جديدة مؤثرة.

خامساً:

أهمية استماع كل خطيب إلى تقويم جمهور الناس الذين يحضرون له ونقدهم، وأن يوجد فضاءً مناسباً لهذا التعبير ليقيس أداءه من خلاله. ومن المهم الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، فهي فضاء مفتوح للتعبير عن الرأي يستطيع الخطيب من خلاله أن يعرف أوجه القوة والضعف في خطبة الجمعة، ويقيس التأثير، ويستطلع توجهات الناس، بما يمكّنه من تقديم خطبة جمعة متميزة.

سادساً:

العناية بتنوع الموضوعات التي يطرقها الخطيب، والأساليب التي يستخدمها، ومستوى الطرح الذي يعرضه، حتى يناسب جميع الناس، ولتغطي موضوعات الخطبة كافة ما يحتاج إليه المسلم، فلا يغلب جانباً على جانب، ولا تكون اهتمامات الخطيب أو ضغط الأحداث هي التي تفرض موضوعاتها على الخطبة، بل ثمّ تخطيط مسبق للموضوعات، إذ من دونه يبدو اختيار الموضوعات غير متناسق؛ فقد يغلب على موضوعاته العناية بالجانب السياسي مثلاً، أو تكون كلها وعظية، أو تكون مرتكزة على جانب التخصص الذي يتقنه الخطيب أو الاهتمامات التي تشغل وقته، وهو اختلال لا يمكن كشفه إلا من خلال خطة واضحة واستحضار الموضوعات كافة.

سابعاً:

مراعاة مناسبة خطبة الجمعة لكل الفئات التي تستمع إليها، فالجمعة مشهد يحضره الصغير والكبير، والعالم ومَنْ دون ذلك، والرجل والمرأة، فلا بد من أن يكون خطاب الخطيب نافعاً لهذه الفئات كلها، فلا يصح أن يكون مناسباً للنخبة بحيث لا ينتفع به العامة، ولا أن يشعر المستمع أن الخطيب لا يقدم له شيئاً نافعاً، وهو تحدٍّ ليس هيناً أمام الخطيب، فهو مطالب بخطاب يناسب الجميع. أما المنابر الأخرى في غير منبر الجمعة، فالمتحدث أمير نفسه؛ فيمكن أن يختار الأسلوب المناسب ويحدد الشريحة التي يستهدفها، ولا يلزم بأن يكون خطابه للجميع.

هذه بعض المقترحات في سبيل تطوير أداء خطباء الجوامع، ويبقى أنها مهمة جليلة لا تكون فيها مثل هذه المقترحات وغيرها إلا محفزاً لإيجاد مؤسسة أو معهد متخصص في مجال خطبة الجمعة بكل مدينة في أنحاء العالم الإسلامي، بل غير الإسلامي كذلك؛ فالاهتمام بذلك اهتمام بعبادة، وهي خطبة الجمعة، وسعيٌ لتحقيق المقصود منها، وهو نفع الناس وتبصيرهم بأمر دينهم.

———-

** المصدر: مجلة البيان (بتصرف يسير).

[ica_orginalurl]

Similar Posts