من الآيات التي تستحق الوقوف أمامها طويلاً وتدبرها جيداً ذلك المشهد الذي صوره لنا القرآن من مشاهد يوم القيامة، عندما يُعرض أولئك المشككون بكلام الله على النار لتشهد عليهم جلودهم بما كانوا يفترون على الله كذباً في الدنيا، يقول تعالى: “وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” (فصلت:19-21).. وهنا لابد من طرح عدة أسئلة حول هذا النص العظيم: كيف يمكن للسمع والبصر و الجلد أن ينطق ويتكلم؟ وكيف يمكن أن ينطق كل شيء؟ ولماذا ذكر الله تعالى هذا النص في كتابه؟

لغة الجلد!

الجلد

هذا هو رسم لشريط ال “دي إن إي” ويقول العلماء إن هذا الشريط الوراثي المعقد يصدر ذبذبات صوتية بشكل مستمر، أي أن له لغة ينطق بها!! وهذا الشريط موجود في جميع خلايا الجسد: خلايا العين وخلايا الأذن وخلايا الجلد. ولذلك فمن المحتمل أنه يقوم بتخزين المعلومات بطريقة ما، ومن الممكن استرجاع هذه المعلومات في وقت آخر.

إن العلماء يؤكدون وجود صوت لخلايا الجلد تنطق به، ولكننا لا نفقه ما تقوله!! وهذا الاكتشاف حديث لم يكن لأحد علم به زمن نزول القرآن ولكن القرآن أخبرنا بأن كل شيء ينطق ويسبح الله كما سنرى في فقرة لاحقة.

يوجد في أعماق خلايا الجلد سجلات خاصة أشبه بسجلات الكمبيوتر تحفظ المعلومات والأحداث التي تدور حول الجلد وتحفظ كذلك الأصوات التي تُحكى والأفعال التي نقوم بها. ويقول الدكتور “كلارك أوتلي” وهو الذي أشرف على مئات العمليات الخاصة بزرع الجلد ونقله من أشخاص لآخرين: إن الجلد يملك ذاكرة طوية جداً، فهو لا ينسى!!

وقد وصل هذا العالم إلى هذه النتيجة بعد أن وجد أن 70 بالمئة من الذين أُجريت لهم زراعة الجلد من أشخاص آخرين قد أُصيبوا بسرطان الجلد بعد فترة قصيرة من العملية. وهذه مشكلة كبرى لم يستطع الطب أن يجد لها علاجاً، ويقول العلماء إن جلد كل إنسان له خصوصية كبيرة فهو خزان للمعلومات ولذلك عندما يتم نقل جزء من هذا الجلد إلى شخص آخر (احترق جلده مثلاً) فإن الخلايا تنقل معها كل المشاكل والأحداث والمعلومات الخاصة بذلك الشخص، وهكذا يرفض جسم المريض أي جلد من شخص آخر!

كل شيء يتكلم!

لقد تبين للعلماء أخيراً أن لكل شيء في الكون تردده الصوتي الخاص به ويسمى الرنين الطبيعي، وأن هذا الجسم عندما نعرضه لذبذبات صوتية بتردد يساوي تردده الخاص فإنه سيبدأ بالتجاوب والاهتزاز، ولذلك فإن جميع الأشياء في الطبيعة من إنسان أو جماد أو حيوان تتأثر بالصوت.

ثم بعدما تطورت أجهزة قياس الترددات الصوتية وجد العلماء أن كل شيء في الكون تقريباً يصدر ترددات صوتيه، فالخلايا تصدر هذه الترددات سواء في الإنسان أو النبات أو الحيوان. وكذلك النجوم تصدر أصواتاً، والكون في بداية خلقه أصدر ترددات صوتية بسبب توسعه المفاجئ، وكذلك اكتشف علماء وكالة ناسا أن الثقوب السوداء تصدر ترددات صوتية، وأن النجوم النيوترونية تصدر ترددات صوتية تشبه صوت المطرقة، واكتشف علماء النيات أصواتاً خفية تصدرها النباتات وتتأثر بالأصوات أيضاً، الحشرات بجمع أنواعها لها ترددات صوتية خاصة بها، حتى إن خلايا القلب تصدر ترددات صوتية خاصة بها….. وهكذا كل شيء ينطق في هذا الكون!

أوجه الإعجاز

1- من خلال الحقائق السابقة يمكنني أن أقول لك إن ما تراه على سطح جلدك هو خلايا ميتة على وشك السقوط، ونحن كمؤمنين علمنا القرآن كيف نجعل خلايا جلدنا أكثر نشاطاً وحيوية من خلال تفاعلها وتأثرها بكلام الله تعالى، يقول تعالى: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ” (الزمر:23). أي أن قراءة القرآن والتأثر بسماعه هو أفضل وسيلة لحماية خلايا الجلد وخلايا الجسد بشكل عام.

2- رأينا كيف أن خلايا الجلد تتجدد وتتبدل باستمرار، وهذا الموضوع أشار إليه القرآن في عذاب أولئك الذين كفروا بآيات الله حيث تُبدل جلودهم باستمرار ليبقى العذاب مستمراً، يقول تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء:56). فكلما احترقت الخلايا العصبية وأوشك الإحساس بالألم على الزوال تجددت هذه الخلايا وأصبح العذاب أشد، ولذلك كان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك!

3- يقول العلماء اليوم إن خلايا الجلد تتأثر بالترددات الصوتية بل وتتجاوب معها، وبخاصة بعد أن اكتشف العلماء الذبذبات الصوتية التي يصدرها الشريط الوراثي المسمى DNA ، إذن الجلد عندما يقشعر بنتيجة الاستماع إلى خبر ما سار أو مؤلم فإن هذا نوع من التجاوب مع الصوت الذي استمع إليه هذا الإنسان.

وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” (الزمر:23). فهذه الآية تؤكد أن خلايا الجلد عند المؤمن تتأثر بصوت القرآن وتتجاوب وتقشعر، بينما تجد الكافر لا يتأثر، لماذا؟ لأن خلايا جلده اختزنت النفاق والكفر والفواحش والأفعال السيئة فلم تعد تستجيب لأي ترددات صوتية إيمانية!

4- من خلال الحقائق السابقة يمكن القول إن جميع الخلايا تملك ذاكرة خاصة بها، وبخاصة خلايا السمع والبصر، ولذلك فإن هذا السمع وهذا البصر سيشهدان على صاحبهما يوم القيامة بما فعله من أعمال سيئة في الدنيا.

ولكن الإنسان في ذلك اليوم لا يستغرب من شهادة السمع لأن الأذن كانت تسمع ما يقوله وما يُقال أمامه، وكذلك لا يستغرب شهادة البصر لأن العين كانت ترى ما ينظر إليه وتخزن المشاهد التي فيها معصية لله تعالى. هذا الإنسان يكون على قدر كبير من التعجب من شهادة جلده عليه، إذ أن الإنسان لا يتصور أن الجلد له دور في تخزين المعلومات والأحداث!

ولذلك فإن هؤلاء الناس يسألون جلودهم يوم القيامة بقولهم “لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا” فتقول هذه الجلود: “أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ” وهنا تتجلى معجزة ثانية أيضاً، فكيف يمكن لكل شيء أن ينطق؟!

5- بما أن لكل شيء تردده الصوتي الخاص كما رأينا، لذلك فإن الله تبارك وتعالى قال: “وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” (الإسراء:44). ويوم القيامة سوف يسمع الإنسان أصوات هذه المخلوقات والتي لم يكن يسمعها في الدنيا، سوف يسمع صوت جلده وهو يشهد عليه ويقول له: أتذكر يوم كذا وكذا عندما كنت تقوم بهذه الفاحشة وتظن أنه لا يراك أحد؟ ويقول له سمعه أتذكر عندما كنتَ تستمع إلى ما حرم الله؟ ويقول له بصره أتذكر عندما كنتَ تنظر إلى ما حرَّم الله؟

وأخيراً…

ينبغي علينا في كل لحظة من لحظات حياتنا أن نتذكر ذلك المشهد عندما تشهد علينا جلودنا، تذكروا معي أن هذا الجلد الذي سخره الله لك ليكون وقاية وحماية لجسدك وهو يصاحبك منذ أن تكون في بطن أمك، هذا الجلد سيكون عدواً لك يوم القيامة، إلا إذا أكثرت من الأعمال الصالحة فإن جلدك سيكون شاهداً معك لا عليك.

نسأل الله تعالى أن يجعل كل لحظة في حياتنا طاعة لله وعملاً صالحاً لا نبتغي به إلا وجه الله تعالى. ونتأمل من جديد هذا النص القرآني الذي ينبغي على كل منا أن يحفظه في قلبه ويتذكره كلما أمرتنا أنفسنا بالسوء: “وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” (فصلت:19-21).


المصدر: بتصرف يسير عن موقع أسرار الإعجاز العلمي

[ica_orginalurl]

Similar Posts