هكذا يصف لنا توماس أبيركرومبي انطباعه الأوليّ عن الحج، هذا المشهد المهيب الذي لطالما ألهب مشاعر الرحالة واستثار في نفوسهم مهابة وجلال هذه المشاعر الإيمانية…

(مقتطف من المقال)

إعداد/ فريق التحرير

توماس أبيركرومبي

المسجد الحرام ليلا.. من تصوير توماس أبيركرومبي.. في صورة اعتبرت من أعظم 50 صورة في تاريج مجلة (ناشيونال جيوكرافيك).

وُلد المصور والكاتب الصحفي الشهير توماس أبير كرومبي في عام 1930م.. في مدينة (ستيل ووتر) بولاية مينيسوتا الأمريكية. وفي عام 1965م أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية اعتنق الإسلام، وسمَّى نفسه عمر، وحج أربع مرات في حياته.

قام توماس في أواخر حياته بتدريس علم الجغرافيا في جامعة واشنطن، وتوفي في عام 2006 إثر إجرائه جراحة قلب مفتوح.

قصة إسلامه توماس أبيركرومبي

كان توماس أو عمر يتقن خمس لغات، وقد سافر إلى أكثر من 80 بلدا، وكان أول صحفي يسافر إلى القطب الجنوبي، كما كان عمر واسع الاطلاع، غزير الثقافة، واقترب من الإسلام أول مرة في حياته عندما اتجه إلى منطقة الشرق الأوسط في رحلة عمل؛ فوقع القرآن في قلبه من أول مرة استمع إليه فيها باللغة العربية.

ويعد توماس واحداً من أشهر كتاب ومصوري المجلة الجغرافية الوطنية العريقة التي احتفلت بميلادها الخامس والعشرين بعد المئة في 2014م، حيث اشتهر بتغطياته المميزة للشرق الأوسط، وله ما يزيد عن أربعين قصة صحافية. ولم تكن مهام أبيركرومبي الصحافية محدودة بمواضيع الجغرافيا المصورة، بل كانت تنطوي على جوانب دينية واجتماعية وإثنوغرافية[1].

الحج.. أبرز محطات حياته

ومما لا شك فيه أن أبرز محطات حياته المهنية كانت تغطيته موسم الحج في 1965م، وله السبق كأول صحافي غربي – على اعتبار أن عبد الغفور شيخ كان طالباً حين نشر تغطيته للحج في يوليو 1953م – يحصل على تصريح بتغطية شعائر الحج وبإذن شخصي من الملك فيصل آل سعود – يرحمه الله.

لا نعرف الكثير عن ظروف تحوله إلى الإسلام في أوائل 1965م، ولكن زيارته لقرية لبنانية في قضاء زحلة تدعى قب إلياس شهدت أول علامات تحوله إلى الإيمان الجديد، حيث يصف شعوره بعد زيارته مسجد القرية بقوله: (اختلطت بالناس وانجرفت مع التيار البشري بعد خروجنا من الباب المضيء، ثم عبرنا نحو زقاق ضيق يعج بالمتسولين، فغدوت مع الناس في شعور دافئ بالانتماء، وبدا لي أنهم تقبلوني كواحد منهم).

يحدثنا أحد محرري المجلة «دون بيلت» في مقالة تأبينية لتوماس بعد وفاته بأربعة أشهر، ويشير إلى أنه وبالرغم من تكتم توماس الشديد حول المسائل الإيمانية، إلا أنه يشدد وبما لا يدع مجالًا للشك بأنه كان مسلماً حقيقياً، ولعل ما يدلل على ذلك ارتباطه بالعالم الإسلامي على مدى سنوات طوال من حياته.

من الخرطوم، القاهرة، إسطنبول، ومن باكستان، نيجيريا، إيران، الصين، وإندونيسيا؛ مسلمون من كافة أرجاء العالم. رجال أعمال، بدو، حدادون، موظفون، باشوات وفقراء؛ كلهم سواء أمام الله، ليس عليهم إلا ملابس الإحرام البسيطة.

هكذا يصف لنا توماس أبيركرومبي انطباعه الأوليّ عن الحج، هذا المشهد المهيب الذي لطالما ألهب مشاعر الرحالة واستثار في نفوسهم مهابة وجلال هذه المشاعر الإيمانية.

يحكي أبيركرومبي تفاصيل دخوله المسجد الحرام للمرة الأولى فيقول: (مضينا مع مطوفنا محمد نور من خلال القسم الحديث من المسجد الحرام، وتحملت الدولة السعودية من أجل إنشائه مئة مليون دولار، وهو في طريقه للتمام، ويحيط بشكل كامل بالمسجد القديم  – الذي أنشئ في القرن الثامن للميلاد. عبرنا من خلال باب السلام وسلكنا طريقنا خلال ساحة الطواف، وبدت حينها أمامي من وسط الحشود التي توحدت باللون الأبيض الكعبة المشرفة – بيت الله – الذي بني من حجارة مكة الجرانيتية… وتلك دموع الفرح قد علت وجوه الكثيرين، ذلك أنهم أخيراً قد اقتربوا من الغاية المقدسة لحياتهم).

 يقول حينما اعتلى المنارة: (اعتليت المنارة ثم نظرت بلهفة فإذا بأعظم وأجمل تظاهرة إسلامية قد تبدت أمامي… ربع مليون مسلم اصطفوا حيث هم تجاه الكعبة، وظهر أنهم قد ألّفوا سجادة شرقية هائلة وجميلة، نسج الحجاج بملابسهم البيضاء الدوائر الآخذة في الاتساع حول الكعبة، وأضافت أعمدة الإنارة أنماطاً متناظرة على شكل وردة مضيئة… ارتفعت همسات خافتة من الحشد في جوقة صامتة تحت سماء مكة: «الله أكبر» – في انسجام تام، كل الجباه لامست حصباء الفناء بوقار).

كما حرص توماس أبيركرومبي -يرحمه الله- على الاتصال بالشرق بعد إسلامه مراراً، والتحق بقوافل الحجيج في مكة المكرمة في أربعة مواسم. كان يرى في الشرق أكثر من مجرد مهمة صحافية أو مغامرة يتوق لها مثقف غربي، فيقول: (إن الشرق مكان مبهر لأسباب عديدة، منها أنه مبتدأ الحضارة وموئل الأنبياء). نقل توماس قصصاً صحافية عديدة للقارئ الغربي بحياد كبير، وبلا شك كان أهمها تغطيته للحج في عام 1965م التي نشرت في المجلة الجغرافية الوطنية في يناير 1966م تحت عنوان المملكة العربية السعودية: ما وراء رمال مكة.

الهامش:

[1]الإثنوغرافيا.. كلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية (Ethnos) وتعني العرق والجنس، فرع من فروع الأنثروبولوجيا (Anthropology) من أنثروبوس (Anthropos) وهو الإنسان.

والإثنوغرافيا عمل ميداني تطبيقي: هو وصف للشعوب والسلالات.. عمل يقوم على رصد ثقافاتها، وسلوكياتها الاجتماعية.. وهو وصف شامل لحياة الإنسان أو المظاهر الخارجية للثقافة التي يراها الملاحظ (السائح، العالم، الأنثروبولوجي) فيسجلها.

_____________________________________________

المصادر: 

*كتاب عظماء أسلموا، الصادق أحمد عبد الرحمن برير، دار الحضارة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.

*موقع قصة مكان

 

[opic_orginalurl]

Similar Posts