وُلِد الفيلسوف (رينيه غينون) في فرنسا عام 1886 م، وهناك نشأ على الكاثوليكية، وكان شغوفًا بالاتجاهات الروحية منذ سنين شبابه الأولى؛ ولذلك انضم إلى الكنيسة الغنوسطية الفرنسية ثم غادرها.

غينون

كان للكنيسة الكاثوليكية في أوروبا موقفًا معاديًا لعبد الواحد يحيى – دينيه غينون سابقًا – حيث رأت في غينون خطرًا يكبر كل خطر سابق، فلم تحرم قراءة كتبه فحسب، بل حرمت حتى الحديث عنه.

ولم يكد يتم غينون دراسته العليا في باريس سنة 1908م حتى أصدر مجلة علمية ذات طابع فلسفي أطلق عليها (المعرفة)، وكان ممن استعان بهم في تحرير تلك المجلة عالم فرنسي تعرف عليه أثناء دراسته وهو العلامة (شمبر يونو) الذي سبقه إلى اعتناق الإسلام، وسُمِّي باسم (عبدالحق)، وقد تركت تلك الصلة أثرًا عميقًا في نفس رينيه، فحملت إليه شعاعًا من نور الإسلام، لم يلبث أن تزايد مع الأيام، وقد تعرف أيضًا على عالم فنلندي يُدعى (إيفان جوستاف) كان من ألمع محرري مجلة عربية إيطالية تصدُر بالقاهرة باسم (النادي)، وتُعنى بالشؤون الفلسفية، وقد أسلم أيضًا وتسمَّى باسم (عبد الهادي)، وكان ينشر بتلك المجلة بعض الرسائل الإسلامية.

وفي الوقت الذي أبدى (غينون) قناعته بالسقوط الوشيك للحضارة الغربية إذا هي لم تسرع في استلهام الثقافات الشرقية، وقد تصور بناءً على هذه القناعة – التي أكدها بدراساته الواعية والعميقة – أن على الغرب أن يختار بين ثلاثة خيارات:

الأول: أن يسقط في حالة من البربرية والتدمير الشامل، مع نجاة بعض أفراده، وهم في حالة من الانحلال مشابهة لحالة (المتوحشين المعاصرين) الذين ليسوا إلا بقايا حضارات اختفت تمامًا من التاريخ.

والثاني: أن يتولاهم بالرعاية ممثلون للشعوب الشرقية، وإنه لتجنب السقوط الحتمي، فإن على الغرب أن يتمثل ذلك، وهو أمر لن يتحقق إلا بوساطة المرور بمرحلة انتقالية متعبة، ولكنها أحسن على كل حال من نتيجة الفرضية الأولى.

والثالث: هي أحسن الفرضيات، وتتمثل في أن يجد الغرب في نفسه مبادئ للتطور في اتجاهات أخرى، تعيده لحالة العقلانية الحقيقية والطبيعية، وتقضي على كونه مجرد فرع مقطوع عن شجرة الإنسانية، وهي الحال التي أصبح عليها منذ نهاية القرون الوسطى.

مرجعيات غينون الفكرية

وبالرغم من أن غينون كان يستلهم مرجعياته الفكرية الأساسية من الثقافة الهندية، وأنه كان يعتقد بقدرة الكاثوليكية على الإسهام في إنقاذ الغرب؛ حيث كتب: ونحن نعتقد أن (التقاليد) الغربية إذا استطاعت أن تتشكل من جديد، فإنها ستأخذ بالضرورة المظهر الديني بالمعنى التام للكلمة، وأن هذا الشكل لن يكون إلا مسيحيًّا؛ لأن الأشكال الأخرى ظلت غريبة ومنذ مدة طويلة عن العقلية الغربية، ومن ناحية أخرى فلأنه في المسيحية، وفي الكاثوليكية بالذات توجد بقايا الروح التقليدي الغربي.

ومع حب غينون وتعلُّقه بالكاثوليكية، ورؤيته لها على أنها الشكل الأمثل الذي يمكن للتقاليد الغربية أن تتشكل به، لما فيها من بقايا الروح التقليدى للغرب، نرى أن الأمر انتهى به إلى تركه للكاثوليكية، وإشهار إسلامه عام 1912م وتغيير اسمه إلى (عبد الواحد يحيى).

ورغم دهشة الدارسين الغربيين لاتباع (غينون) للإسلام، لم يشك أحدهم في صدق إسلامه، وقد كتب الأستاذ (فريدريك تريستان): أثار العدد الأخير من مجلة (بعث التقاليد) المسألة التي كانت تهم – فيما يبدو- مديرها على الأخص، وهي: هل اعتنق (غينون) فعلًا الإسلام مع العلم أنه ظل يرفض كلمة (اعتناق) التي لا تتعلق عنده إلا بتغيير الظاهر؟ خصوصًا عندما نعلم موقف غينون الذي اختار الإسلام إراديًّا، واختار أن يخضع بتواضع لشريعته، فهذا لا يدهش إلا الجاهلين بسيرته وإنتاجه، فلقد كان من الممكن أن يختار الهندوسية، ولكن يبدو أن دخوله إلى الإسلام كان يَظهر له أكثر مناسبة.

وقد كان للكنيسة الكاثوليكية في أوروبا موقفًا معاديًا لعبد الواحد يحيى – دينيه غينون سابقًا – حيث رأت في غينون خطرًا يكبر كل خطر سابق، فلم تحرم قراءة كتبه فحسب، بل حرمت حتى الحديث عنه.

ومع ذلك ورغم هذا العداء من الكنيسة لغينون، فإن كتبه انتشرت في جميع أرجاء العالم وطبعت المرة تلو الأخرى، وترجم الكثير منها إلى جميع اللغات الحية الناهضة عدا العربية!

_________________________________________________

المصدر: بتصرف يسير عن موقع الألوكة الثقافية

[opic_orginalurl]

Similar Posts