فصل مصلى النساء عن مصلى الرجال في المساجد

حضور الرجال والنساء والصبيان إلى المساجد لأداء الصلوات وسماع الذكر أمر معلوم منذ عهد النبوة، إلا أن حضور النساء إلى المساجد لأداء الصلاة جماعة كان في نفس المسجد في زاوية معينة، ولم يكن لهن مصلى أو مبنى خاص يصلين فيه، فمصليات النساء بالطريقة المعروفة في زماننا –في بعض البلدان- لم تكن معروفة في زمن النبوة، وخاصة المصلى المنفصل تماماً عن المسجد. فما هو حكم صلاة المرأة اقتداء بالإمام في هذه المصليات؟ 

أبو داود رحمه الله بوّب في سننه “باب اعتزال النساء في المسجد عن الرجال”، وذكر حديث ابن عمر (رضي الله تعالى عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “لو تركنا هذا الباب للنساء” قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.

فهذا التبويب من أبي داود تفقه منه بأن النساء يعتزلن في مكان خاص في المسجد، وأيضاً قول النبي (صلى الله عليه وسلم) “لو تركنا هذا الباب للنساء”، يدل ترك هذا الباب الخاص بالنساء يدخلن منه ويخرجن منه أنه يشرع أن يكون مصلى النساء خاص بهن.

فصل مصلى النساء عن مصلى الرجال في المساجد

ويدل لهذا حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها في صحيح البخاري قالت: “كان النساء في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قام الرجال”.

وهذا الحديث يدل على منع اختلاط الرجال بالنساء في المسجد، حتى في الأسواق، ولهذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يثبت في مكانه ومن معه من الرجال حتى تنصرف النساء. وإذا كان ذلك ممنوعاً في الرجال فكذلك أيضاً في المساجد.

ويدل لهذا أيضاً حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها أولها وشرها أولها”. (أخرجه مسلم في صحيحه) وهذا يدل على أن النساء يعزلن وكلما كان الرجال أبعد عن النساء فإن ذلك خير لهن.

هذه الأدلة وغيرها تدل على اعتزال النساء في مكان خاص وأنهن لا يختلطن بالرجال. ولذلك ما يوجد في بعض المساجد الكبار من اختلاط الرجال بالنساء هذا من الخطأ.

المسألة الثالثة: الضرب بين مصلى الرجال وبين مصلى النساء بحائل وهذا الحائل فإما أن يكون جداراً وإما أن يكون من غير جدار كأن يكون من البلاستيك أو القماش أو نحو ذلك,. فهل هذا جائز أو أنه ليس بجائز مع أنه لم يرد في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يفصل بين الرجال والنساء بحائل؟.

هذا موضع خلاف بين المتأخرين:

والذي يظهر أن هذا جائز ولا بأس به بل ذهب بعض العلماء إلى وجوبه كالغزالي رحمه الله فإنه نص في إحياء علوم الدين على وجوب ضرب مثل هذا الحائل فقال: “ويجب أن يُضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من النظر فإنه مظنة الفساد”. 

وأما كون مثل هذا الحائل لم يوجد في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) نقول:

الوجه الأول: المتأمل للسنة يجد أن النساء إنما كن يشهدن مع النبي (صلى الله عليه وسلم) صلاة العشاء وصلاة الفجر، ووقتهما يكون فيه ظلام ولا حاجة إلى ضرب مثل هذا الحائل، ولهذا كما في حديث عائشة (رضي الله تعالى عنها): “كن نساء المؤمنات يصلين مع النبي (صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح متلفعات بمروطهن ثم ينصرفن لا يعرفهن أحد من الغلس”.

وأيضاً قول النبي (صلى الله عليه وسلم): “أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة”. (رواه مسلم)

فإن هاذين الحديثين هما اللذان ورد فيهما التصريح بهاتين الصلاتين، صلاة الفجر وصلاة العشاء، فالمكان مظنة الظلام، وعدم المشاهدة، ولو كان هناك نور فهو نور يسير ولم يكن في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) مثل وقتنا اليوم من الأنوار الكثيرة التي تجعل الليل كالنهار ولم يكن هناك حاجة إلى مثل ذلك.

الوجه الثاني: أنه لا مقارنة بين تلك القرون المفضلة وبين عصورنا هذه، فذلك القرن هو قرن النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين ومن تبعهم وهم خير الأمة، وعندهم من قوة الإيمان والعلم وتعظيم الله عز وجل ما يمنعهم ويصدهم ويدرأ عنهم الفتنة بخلاف وقتنا الحاضر فإن ضعف الإيمان موجود، وكذلك أيضاً إثارة الفتنة والشهوات والغرائز التي لم تكن في ذلك الزمن..إلخ.

______________________________________

المصدر: كتاب فقه النوازل في العبادات للدكتور خالد بن علي المشيقح.[ica_orginalurl]

Similar Posts