عبدالله بن أحمد الغامدي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

إن لوسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها ضوابط حتى لا تنحرف عن قواعد الشرع، ولا تخرج عن الأهداف التي وضعت من أجل نجاح الدعوة الإسلامية.

الضابط الأول:

الانضباط بأحكام الشرع: أي يشترط أن تكون الوسائل والأساليب الدعوية مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، أو أن تكون مستنبطة عن طريق المصادر الشرعية الأخرى مثل: الاجتهاد، القياس، الاستحسان، المصالح المرسلة، ومعنى ذلك ألا يستخدم الداعية الوسائل والأساليب المحرمة والممنوعة، أي التي جاء النهي عنها في الكتاب.

الضابط الثاني:

ألا يؤدي استعمالها من أجل مصلحة إلى الوقوع في مفسدة أعظم: أي بحيث لا تترتب مفسدة على استخدام الوسيلة أكثر من المصلحة التي كان يجب أن تحققها، لأنه قد تكون الوسيلة ممتازة، ولها شروط جيدة، ولكن استخدامها يترتب عليه مفسدة، قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: من الآية108)

يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ففي هذه الآية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية وهي: أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها.

الضابط الثالث:

مراعاة الأولويات:

إنه يجب على الداعي أن يراعي الأولويات في استخدامه الوسيلة والأسلوب، ومراتب الوسائل والأساليب تابعة لمراتب مصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل، ثم تترتب الوسائل بترتب المصالح والمفاسد، فمن وفَّقه الله للوقوف على ترتيب المصالح عرف فاضلها من مفضولها ومقدمها ومؤخرها.

الضابط الرابع:

التدرج في استخدام الوسائل والأساليب: وهو التقدم شيئاً فشيئا، والصعود درجة درجة، ومعناه: أن يتدرج الداعي بدعوته شيئاً فشيئاً، كما قال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الإسراء:106) .

وقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوسائل والأساليب الدعوية “التدرج فمن البيان العام للدعوة، إلى الهجرة، إلى السرايا، إلى الغزوات، إلى الكتب، والرسل، إلى الوفود، إلى البعوث، إلى انطلاق الجهاد في ربوع الدنيا”.

الضابط الخامس:

ألاَّ تكون الوسيلة أو الأسلوب شعار الكفار، مثل البوق والناقوس لليهود والنصارى، وذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى – الحديث” .

وقال صلى الله عليه وسلم: “إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم” .

وهذا الضابط في الوسائل والأساليب الدعوية لنا فيه أسوة بالنبي  صلى الله عليه وسلمفي قصة بداية الأذان حيث إنه وسيلة لإظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد والإعلام بدخول وقت الصلاة ومكانها، والدعوة إلى الجماعة.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلوات، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أَوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا بلال، قم فنادِ بالصلاة”.

فالرسول  صلى الله عليه وسلم لم يأخذ بوسيلة من شعار الكفار للإعلام بشعيرة من أعظم شعائر الإسلام وهي الصلاة، لأن في ذلك تشبهاً بهم، والإسلام جاء ليتميز عن الأديان الأخرى في العقائد والعبادات.

فعلى الداعية أن يتجنب في دعوته أي وسيلة تعد شعاراً من خصائص الكفار مهما كان نوعها، هذا في الأمور العقدية، أما ما يخصُّ الشئون الدنيوية فما وافق الشرع أخذ به، وما خالفه تركه، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.

والخلاصة:

أن الوسائل والأساليب الدعوية ليست توقيفية بالكلية، ولا اجتهادية على الإطلاق، وإنما فيها ما هو توقيفي وهو المنصوص في الكتاب والسنة، ومنها ما هو اجتهادي، ولكنه مضبوط بضوابط الشرع.

وبهذا لعلي أكون قد أضفت شيئاً جديداً في مجال الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

وأخيراً أسأل الله تعالى العون والتوفيق ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الله، وأن ينفع به، إنه نعم الولي ونعم النصير.

——

(من كتاب وسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها بين التوقيف والاجتهاد).

[ica_orginalurl]

Similar Posts