هل ملّك الله عز وجل الرجال أمر النساء كلية حتى صار ضرب الزوجات وإهانتهم وإهدار كرامتهن أمر مباح هين يسر؟!!!

د. محمد الغزالي

ضرب الزوجات

هل ملّك الله عز وجل الرجال أمر النساء كلية حتى صار ضرب الزوجات وإهانتهم وإهدار كرامتهن أمر مباح هين يسر؟!!!

     يملكني الغضب والأسى عندما أجد رجال الحديث النبوي ضعفاء الوعي بالقرآن الكريم! يقرؤون على الناس الحديث غير شاعرين بقربه أو بعده من الآيات القرآنية.

     في الجزء الثالث من تيسير الوصول إلى جامع الأصول جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يُسأل الرجل: فيم ضرب امرأتهأخرجه أبوداود.

     قال الشيخ محمد حامد الفقي في تعليقه على هذا الحديث: وأخرجه النسائي! أي أنه قوى سند الحديث، وترك المتن وكأنه صحيح لا غبار عليه.!.

     وهذا الظاهر باطل، فالمتن المذكور مخالف لنصوص الكتاب، ومخالف لأحاديث أخرى كثيرة! وعدوان الرجل على المرأة كعدوان المرأة على الرجل مرفوض عقلاً ونقلاً وعدلاً ولا أدري كيف قيل هذا الكلام ونسب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .

     إن من قواعد الجزاء الأخروي قوله تعالى:”فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” (الزلزلة: 7-8) فهل الزوجة وحدها هي التي تخرج عن هذه القاعدة فلا يُسأل الرجل فيم ضربها؟!!

 له أن يضربها لأمر ما في نفسه، أو لرغبة عارضة في الاعتداء؟! فأين قوله تعالى: “… وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ…” (البقرة:228) وقوله :”…فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا…” (البقرة:231) وأين قوله عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس ما تملكون منهن شيئاً غير ذلك..) (رواه ابن ماجة والترمذي).

مسوغات ضرب الزوجات [1]

     ما يقع هو النشوز، ومعنى الكلمة الترفّع والاستعلاء، أي أن المرأة تستكبر وتتعالى على الزوج وتستنكف من طاعته ويدفعها هذا إلى كراهية الاتصال به في أمسّ وظائف الزوجية، فيبيت وهو عليها ساخط! وقد يدفعه هذا إلى ضربها.!.

     وهناك أمر آخر افحش أن تأذن في دخول بيته لغريب يكرهه مع ما في ذلك من شبهات تزلزل العلاقة الزوجية وتجعلها مضغة في الأفواه.

ولم أجد في أدلة الشرع ما يسيغ الضرب إلا هذا وذاك..

 

كيفية التأديب

     ومع ذلك فقد اتفقت كلمة المفسرين على أن التأديب يكون بالسواك مثلاً! فلا يكون ضرباً مبرحاً، ولا يكون على الوجه! ففي الحديث (.. . لا تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلا تُقَبِّحْ…) أي لا تقل لها قبّحك الله.

     ثم قال تعالى في الزوجات المستقرات المؤديات حق الله وحق الأسرة، “… فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا” (النساء:34).

     وختام الآية جدير بالتأمل، فقد تضمّن صفتين من صفات الله تعالى هما العلو والكبرياء وهما صفتان تنافيان الإسراف في التصرف، و الاستئساد على الضعيف، والمسلك البعيد عن الشرف، وفي ذلك كله لفت أنظار الرجال إلى أن تكون سيرتهم مع أهليهم رفيعة المستوى، متسمة بالرفق والفضل، وليس يُتصور مع هذا كله أن يعدو الرجل على امرأته كلما شاء، وأنه لا يُسأل عن ذلك أمام الله..

 ومن ثم فالحديث الذي رواه أبوداود والنسائي في ضرب النساء لا أصل له، مهما تمحّلوا في تأويله..

على أن من احترام الواقع ألا نظن النساء كلهن ملائكة، والرجال جميعاً شياطين، هذا ضربٌ من السخف، والانحياز في الحكم إلى أحد الجانبين ليس من الانصاف..

والأولى أن ندرس العلاقات العائلية بتجرد، وأن نحسب آثار الطباع والأزمات والأحداث الطارئة، وألا نترك لسبب تافه القضاء على الحياة الزوجية..

حَكَما من أهله وحَكَما من أهلها!

     إن انهدام بيتٍ شيء خطير! وقد رأى الإسلام – حتى بعد وقوع الطلاق– أن يجعل كلا الزوجين يواجه الآخر، لعل الذكريات الحلوة تغلب الذكريات المرّة، أو لعل الإيلاف يطرد الفراق على نحو ما قال أبو الطيب:

خُلِقتُ ألوفا، لو رجعت إلى الصبا   لفارقت شيبي موجع القلب باكياً

     ومن ثم وجب تدخُّل المجتمع لفضّ الاشتباك على مهل وإعادة المياه إلى مجاريها، وأولى الناس بأداء هذه المهمة أقارب الزوجين، فهما أرغب في الصلح وأبصر بالمصلحة وأقدر على التنفيذ، وهذا هو قوله تعالى:”وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” (النساء:35).

     وقد روى الشافعي بسنده عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه جاءه رجل وامرأة، ومع كل واحد منهما فئام من ناس – جماعات – قال: ما شأن هذين؟ قالوا: وقع بينهما شقاق! قال عليّ فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها.

     ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما! وإن رأيتما أن تفرّقا فرقتُما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه وبما لي!.

     وقال الرجل: أما الفرقة فلا..! قال عليّ كذبتَ حتى تقر بمثل ما أقرت به.. ومعنى اعتراض الزوج أنه لا يعطي للحكمين حق إيقاع الطلاق باسمه.. أي أن لهما الجمع لا التفريق! ولكن عليّاً كذبه! مبيناً أن للحكمين التوفيق أو التطليق أو المخالعة، وهذا هو كتاب الله..

   والفقهاء يختلفون في سلطة الحكمين ومداها، ولا ندرس الموضوع هنا، وإنما نشعر بالغرابة لأن الرجل الذي استفحل الشقاق بينه وبين زوجته حتى بلغ ما بلغ لم يفرط في عقد الزوجية، ورغب في بقائه..!

     الحق أن قضايا المرأة تكتنفها أزمات عقلية وخلقية واجتماعية واقتصادية، كما أن الأمر يحتاج إلى مراجعة ذكية لنصوص وردت، وفتاوى توارثتها الأجيال وعادات سيئة تترك طابعها على أعمال الناس.

     لا بد من دراسة متأنية لما نشكو منه، ودراسة تفرق بين الوحي وما اندسّ فيه، وبين ما يجب محوه أو إثباته من أحوال الأمة.

الهامش:

[1] – ستأتي تفصيلة كيفية الضرب غير المهين لاحقا

يمكن للقارئ الكريم استكمال فكرة المقال عبر مشاهدة المادة التالية:

________________________________

المصدر: بتصرف يسير جدا عن كتاب/ قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، د. محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، الطبعة التاسعة.

[ica_orginalurl]

Similar Posts