في عام 1893م أسس مفوّض اسكتلاند يارد، “إدوارد هنري” (Edward Henry) نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات، لقد اعتبر أن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية، واعتبر أن أصابع اليدين العشرة هي وحدة كاملة في تصنيف هوية الشخص. وأدخلت في نفس العام البصمات كدليل قوي في دوائر الشرطة في اسكتلاند يارد، كما جاء في الموسوعة البريطانية…

(مقتطف من المقال)

إعداد/ فريق التحرير

بصمة

من الثابت علميًّا أن البصمات هي صفات فردية محضة لا تُورَّث، ولا تتأثر بعامل النسب، ومن هنا كانت أهميتها في مجال تحقيق الشخصية.

قال تعالى: “أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ” (القيامة:4-3).

تشير الآية الكريمة إلى أن البنان أو بصمة الإصبع جزء يميز كل إنسان عن سواه، والبنان في اللغة أطراف الأصابع، وقد ثبت يقيناً أن بصمات الأصابع تميز كل إنسان، فاستخدمتها الجهات الأمنية دولياً لهذا الغرض.

وهكذا فإن إنكار كفار قريش البعث يوم القيامة قابله النص القرآني بأن الله قادر على أن يجمع عظام الميت، حيث رد عليهم رب العزة بأنه ليس قادراً على جمع العظام البالية فحسب، بل حتى على خلق وتسوية بنانه، هذا الجزء الدقيق الذي يعرّف عن صاحبه، والذي يميز كل إنسان عن الآخر مهما حصل له من الحوادث.

الحقيقة العلمية في تميز بصمة الإصبع

في عام 1823م اكتشف عالم التشريح التشيكي “بركنجي” (Purkinje) حقيقة بصمة الإصبع ووجد أن الخطوط الدقيقة الموجودة في رؤوس الأصابع (البنان) تختلف من شخص لآخر، ووجد ثلاثة أنواع من هذه الخطوط: أقواس أو دوائر أو عقد أو على شكل رابع يدعى المركبات، لتركيبها من أشكال متعددة، وفي عام 1858م أي بعد 35عاماً، أشار العالم الإنجليزي “وليم هرشل” (William Herschel)  إلى اختلاف البصمات باختلاف أصحابها، مما يجعلها دليلاً مميزاً لكل شخص.

وفي عام 1877م اخترع الدكتور “هنري فولدز” (Henry Faulds) طريقة وضع البصمة على الورق باستخدام حبر المطابع. وفي عام 1892م أثبت الدكتور “فرانسيس غالتون” (Francis Galton)  أن صورة البصمة لأي إصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته فلا تتغير رغم كل الطوارئ التي قد تصيبه، وقد وجد العلماء أن إحدى المومياء المصرية المحنًطة احتفظت ببصماتها واضحة جلية.

وأثبت جالتون أنه لا يوجد شخصان في العالم لهما نفس التعرجات الدقيقة وقد أكد أن هذه التعرّجات تظهر على أصابع الجنين وهو في بطن أمه عندما يكون عمره بين 100 و120 يوماً.

وفي عام 1893م أسس مفوّض اسكتلاند يارد، “إدوارد هنري” (Edward Henry) نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات، لقد اعتبر أن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية، واعتبر أن أصابع اليدين العشرة هي وحدة كاملة في تصنيف هوية الشخص. وأدخلت في نفس العام البصمات كدليل قوي في دوائر الشرطة في اسكتلاند يارد، كما جاء في الموسوعة البريطانية.

ثم أخذ العلماء منذ اكتشاف البصمات بإجراء دراسات على أعداد كبيرة من الناس من مختلف الأجناس فلم يعثر على مجموعتين متطابقتين أبداً، ويتم تكوين بصمات البنان عند الجنين في الشهر الرابع، وتظل ثابتة ومميزة طوال حياته، والبصمات هي تسجيل للتعرّجات التي تنشأ من التحام طبقة الأدمة مع البشرة، وتختلف هذه التعرجات من شخص لآخر، فلا تتطابق أبداً بين شخصين، ولذلك أصبحت بصمات الأصابع دولياً هي الوسيلة المثلى لتحديد هوية الأشخاص.

وجه الإعجاز العلمي في النص

وردت الإشارة في الآية الكريمة إلى العلاقة بين الفرد وتشكيلات بنائه المميزة التي لم تردك حقيقتها إلى القرن التاسع الميلادي وذلك عندما عُرف دورها في تحديد الهوية، وحسب نظام هنري الذي قام بتطويره مفوض اسكتلاند يارد “إدوارد هنري” 1893م فإن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية بحيث تُعتبر أصابع اليدين العشرة وحدة كاملة في تصنيف بطاقة الشخص وتمييزه، وهنا نلاحظ أن الآية الكريمة في سورة العلق تتحدث أيضاً عن إعادة خلق بصمات الأصابع جميعها لا بصمة إصبع واحدة إذ أن لفظ “البنان” يُطلق على الجمع أي مجموع الأصابع، ولا غرابة أن يكون البنان إحدى آيات الله تعالى التي وضع فيها أسرار خلقه والتي تشهد على الشخص بدون التباس فتصبح شاهداً عليه كأصدق دليل.

إنكار الإعجاز العلمي للقرآن بشأن إعادة تسوية البنان  

في محاولة لطمس الحقائق العلمية في القرآن الكريم أنكر الطاعنون الإعجاز العلمي الوارد في قوله سبحانه وتعالى: “بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ” (القيامة:4) زاعمين أن المعنى المقصود بها ـكما تقول جميع كتب التفسيرـ هو استواء أصابع أيدي الكفار يوم القيامة، فتصبح كحوافر الحيوانات غير قابلة للانحناء لالتقاط الأشياء.

ويستدلون على هذا الإنكار بأن كلمة “التسوية” لم تأت أبدًا في القرآن الكريم بمعنى الخلق الكلي أو إعادة الخلق، وإنما جاءت بمعنى التعديل والتقويم والإتمام، كما تقول المعاجم اللغوية.

وجه إبطال الشبهة:

كشف العلم حديثًا النقاب عن بعض أسرار البنان، فبيَّن أن بصمة الإنسان تتكوَّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد، تجاورها منخفضات، وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوَّى وتتفرَّع عنها تغصُّنات وفروع، لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلًا مميزًا.

وتتكوَّن بشرة الجلد من خمس طبقات أسفلها الطبقة الملاصقة للجلد، وهي التي تجدِّد بصمة الإصبع إذا تأثَّرت بعارض خارجي. وقد أثبتت دراسات الجنين البشري أن هذه الخطوط المميزة لكل فرد تُرسم بعناية فائقة في نهايات الشهر الثالث وبدايات الشهر الرابع من عمر الجنين وهو لا يزال في بطن أمه، وقد اكتمل هيكله العظمي، وتمَّت كسوته باللحم (العضلات والجلد) واكتملت أعضاؤه وأجهزته، وأخذت الملامح البشرية في الظهور عليه، وأصبح في الطريق إلى إنشائه خلقًا آخر.

وتبقى هذه الخطوط بأشكالها، وتفرعاتها، ومواضع اتصالها أو انفصالها ثابتة لا تتغير أبدًا؛ حتى تبقى هوية ربانية دائمة لكل واحد من بني الإنسان، إلا إذا تمَّ تشويه الأنامل تشويهًا كاملًا، ووصل هذا التشويه إلى الطبقة السفلى من الجلد وهي الطبقة المعوِّضة للبصمة، فإذا دُمِّرت هذه الطبقة فإن بصمة الإنسان لا تُعوَّض، ويتم التحام الجلد ليبقى علامة مميزة أخرى بما يحمل من آثار التشوُّه.

ومن الثابت علميًّا أن البصمات هي صفات فردية محضة لا تُورَّث، ولا تتأثر بعامل النسب، ومن هنا كانت أهميتها في مجال تحقيق الشخصية، ويمكن استخدامها كذلك في التعرُّف على شيء من صفات تلك الشخصية من مثل الجنس (ذكر أو أنثى)، العمر، الحالة الصحية، الحجم (وذلك لتناسب حجم البصمة مع حجم الجسم)، والمهنة وغير ذلك، والبصمات تترك آثارها على كل جسم تلمسه، سواء كان هذا الجسم ذا سطح خشن أو أملس.

ومن هنا يمكن الاستفادة منها بإبرازها في تتبُّع العديد من المجرمين، ومعرفة تفاصيل حدوث الجريمة.

وتأكيدًا لما سبق وعلى الرغم من أن السير “فرنسيس جالتون” ـ عالم الرياضيات، يعدُّ أول من وضع أسس علم الوراثة البشرية ـ قد أثبت عام 1892م أن صورة البصمة لأي أصبع تعيش مع صاحبها طول حياته فلا تتغير، إلا أن الريبة بقيت بين الناس والقضاة بشأن هذه البصمات إلى أن وقعت جريمة في مدينة ديتفورد بإنجلترا، وأمكن اكتشاف القاتل بمضاهاة بصمة أصبعه ببصمة تركها بموقع الجريمة، وكانت البصمة في اليوم التالي على الصفحات الأولى من صحف لندن، وأطلق عليها “البصمة التاريخية”؛ لأنها أزالت الشكوك بشأن البصمات ودلالتها أكثر من الإمضاء أو أي شيء آخر على إثبات شخصية المرء؛ فهي أدل على الإنسان من وجهه ومن صورته، وهي من أخص خصائصه.

ومن الثابت علميًّا أن جلد الأصبع لو احترق وتكوَّن مكانه جلد جديد لظهرت البصمات بأشكالها نفسها التي كانت عليها في الجلد القديم.

إذًا فبصمات الشخص الواحد تظل ثابتة مدى الحياة لا تتغير أبدًا، ما لم تُصب بحرق أو تشويه كامل، بل وتبقى بعد الوفاة إلى أن تُحلَّل أنسجة الجلد جميعها، ولا يكفي أن تسقط بشرة الجلد الخارجية لتزول البصمة؛ إذ إن الأدمة تحت البشرة تظهر البصمة بوضوح.

وهذا ما حدا بالشرطة الجنائية والمخابرات العالمية في جميع الدول إلى الاعتماد عليها؛ للاستدلال على الأشخاص المطلوبين للعدالة أو المجرمين.

ومن الشواهد الواقعية على ذلك ما حدث من بعض المجرمين بمدينة شيكاغو الأمريكية عندما تصوَّروا أنهم قادرون على تغيير بصماتهم، فقاموا بنزع جلد أصابعهم واستبداله بقطع لحمية جديدة من مواضع أخرى من أجسامهم، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل عندما اكتشفوا أن قطع الجلد المزروعة قد نمت واكتسبت البصمات الخاصة نفسها بكل شخص منهم.

أشكال البصمات:

تأخذ البصمة عدة أشكال تُؤخذ في مجالات التحقيقات الجنائية: قوسي (Arch) ـ خَيمي (Arch tented) ـ حَلَقي (Loop) ـ متدل حلقي (NutantLoop) ـ حلقي مزدوج (Twinned Loop) ـ حلزوني (Whorl) ـ جيبي جانبي (Lateral Pocket) ـ عرضي (Accidental) ـ مركب (Composite)”([8]).

وبالإضافة إلى ما سبق فقد ذكر العلماء الحاسبون في علم البصمات “أن لبصمة الإصبع نحو مئة من الصفات والخصائص التي تحدِّد أشكالها ومواضعها، وهم يبنون حساباتهم على امتحان اثنتي عشرة خصيصة اتفق عليها رجال الضبط والأمن بكل البلاد، ولن نجد اثنين يشتركان في هذه الخصائص الاثنتي عشرة إلا مرة في كل أربعة وعشرين مليارًا من الأفراد، هذا إذا أخذت بصمة أصبع واحد، فما بالك بالأصابع العشرة؟!

وقد ورد في الموسوعة العربية العالمية سنة 1989م أن سجل مكتب التحقيقات الفيدرالي  (FBI) في الولايات المتحدة الأمريكية جمع حوالي مئة وخمسة وسبعين مليونًا من بصمات الأصابع فلم يكن بينها اثنتان متشابهتان تمامًا.

وجدير بالذكر أن العالم “فرنسيس جالتون” قد وضع كتابه الشهير “بصمات الأصابع” الذي يُعتبر مرجعًا أساسيًّا في علم البصمات، واعتمدته الحكومة البريطانية عام 1901م، وحصر فيه أمر التعرُّف على بصمة الأصابع في نظام معين يقضي بأن لكل بصمة 12 ميزة خاصة. ومن الطريف أن من بين المليون الأول من البصمات التي حصلت عليها الشرطة في لندن، لم يعثروا على بصمتين متشابهتين في أكثر من 7 مميزات من بين المميزات الـ 12.

كما أنه توجد في كل بصمة أنواع من المميزات بأعداد متفاوتة، وقد يتجاوز عددها في بصمة الأصبع الواحد الخمسين، وقد يصل إلى المئة، وربما وجدنا في مساحة صغيرة من الجزء الأوسط للأصبع أكثر من عشرة منها.

المراجع:

*الهيئة العالمية للكتاب والسنة

*الطريق إلى الإسلام

*موسوعة بيان الإسلام للرد على الشبهات

[ica_orginalurl]

Similar Posts