كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من مقالة دعوة الإسلام لحفظ الكليات الخمس عن أن الشريعة الإسلامية الغَرَّاء هي الشريعة الخاتِمة التي أكمل الله بها الدين وأتمّ بها النعمة، وجعلها صالحة للخلافة في الأرض في كل زمان ومكان، لا تَبْلَى نصوصُها، ولا تهتزّ قواعدُها، ولأجل ذلك صارت هي الأُسّ في حفظ الضروريات الخمس في الحياة البشرية، وهي الدين والنفس والعِرض والعقل والمال، فهي شريعة كلا تسعى لتحصيل المصالح وجلبها لتلك الضروريات، كما أنها في الوقت نفسه تقوم بالدفع قبل الرفع لأي مفسدة تخل بضرورة من الضروريات.

 

ولما كانت أمور الناس ومصالحهم تدور رَحَاها حول تلك الضروريات الخمس، وتحصيل مصالحها، ودَرْء مفاسدها، وحراسة ذلك وسياسته؛ كان لزامًا أن يكون للداعية المسلم وسيلة لايصال فكرة الوعي الجماعي للجماهير المسلمة يسلمون بها ويجتمعون عليها، ويضعون كفوفهم على كفّه؛ ليقوم التوازن فيهم، ولتتناسب الحقوق بينهم.

الضروريات الخمس 2-2

الضروريات الخمس 2-2

 

فقد كان لنا مقالة لتعريف الناس برسالة الإسلام ودعوته لحفظ تلك الضروريات وقد عرفنا في الجزء الأول منها الدعوة وتعريف الضروريات والحاجيات والتحسينات ثم تكلم عن مشروعية الضروريات الخمس وعرضنا لضرورة حفظ النفس وضرورة حفظ المال، وبقي لنا أن نتعرض        لثلاث ضرورات اخرى نعرض لها فيما يلي إن شاء الله:

 

 

مشروعية “حفظ المال” في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:

أقر الاسلام حرية الاشخاص في تملك الاموال سواء كسبا أو إنفاقا شريطة مراعاة احكام الشرع، وقد جعل الفقهاء المال ضمن الضروريات الخمس التي لا تستقيم حياة الأفراد والمجتمعات إلا به وحرم الإسلام كل اعتداء عليه كما في حديث الرسول الكريم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).

 

لقد حوي القرءان والسنة النبوية الشريفة العديد من النصوص المحذرة والمانعة والمحرمة من الإسراف والتبذير والتقتير، ووصفت مرتكبيها بأوصاف قبيحة وتوعدتهم بأشد العذاب كما ذكرت أنها من الأسباب التي أهلك الله بها الأقوام السابقين حيت يقول تعالى ” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ” (الاسراء: 16).

 

وقال ]ثم صدقناهم الوعد الحق فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين[ (الأنبياء: @) والنصوص التي شبهتهم بالشياطين وأيضا النصوص التي بينت أن المسرفين وأمثالهم مفسدون في الأرض قال تعالى ]ولا تطيعوا أمر المسرفين[ (الشعراء: 151)، ونصوص أخرى كثيرة، تدلل على الإسراف والتبذير والتقتير مذموم ومحرم في كتاب الله عز وجل، ولم تخل السنة النبوية من النصوص المحذرة لذلك حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال بشتى صوره والإسراف والتبذير والتقتير فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال” (صحيح البخاري).

ونقتبس من أقوال أهل العلم والعلماء ذكر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض الآثار السيئة التي قد تصيب المسرف في الأكل والشرب وكيف أنها إذا تجمعت في العبد وتغلبت عليه أنها ستهلكه وتورده بئس المصير فقال أيها الناس، إياكم والبطنة من الطعام، فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسد، مورثة للقسم، وان الله عز وجل يبغض الحبر السمين، ولكن عليكم بالقصد من قوتكم فانه أدنى من الإصلاح، وأبعد من السرف، وأقوى على عبادة الله عز وجل، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه” (ابن الجوزي).

مشروعية “حفظ العرض” في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:

أو قد أمر الله تعالى بحفظ النسل، وشرع لذلك الوسائل الكفيلة بحفظه فرغب في كثرته، ورغب في النكاح الذي به يحفظ النسل شرعا.. فالإسلام لا يحارب دوافع الفطرة، ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني، ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية.

وقد وجه القرآن الكريم عباده إلى الحذر من الوقوع في أعراض الناس والاعتداء على محارمهم، قال تعالى]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[ (الأحزاب الآية: 58)، وقال تعالى ]إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ (سورة النور الآية: 22)، وقال ]وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً..[.(سورة الحجرات الآية: 12)، وقال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) (المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه..) (رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم6706). وهذه النصوص وغيرها كثير تدل على عظم شأن العرض وأهميته لدى المسلم، والغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات دليل على قوة الإيمان وصلابة الأخلاق وتماسك المجتمع.

قال ابن قدامة في معنى ” قَذْف الْمُحْصَنات”: الْقَذْفُ: هُوالرَّمْيُ بِالزِّنَا. وَهُومُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ. اهـ.

وقال البهوتي: بَابُ الْقَذْفِ، وَهُوالرَّمْيُ بِزِنًا أَولِوَاطٍ أَوشَهَادَةٍ بِهِ. اهـ.

 

وأخيرا أيها الأخ الكريم: إن حفظ العباد للضرورات الخمس هي الحرية الشخصية للفرد والمجتمع فالحرية الصحيحة هي في عبادة الله لأنه هو الرب الخالق الرازق. وفي ترك عبادة الله يكون الإنسان رقيقاً لهواه وشهوته وعبدا لشياطين الجن والإنس وانظر إلى من تركوا عبادة الله كم لهم من الآلهة: ] يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[ (يوسف: 39)، فالإنسان عبد ولا بد. فإما أن يكون عبد الله وإما أن يكون عبد للشيطان كما قال ابن القيم رحمه الله:

هربوا من الرق الذي خلقوا له ** فبلوا برق النفس والشيطان

ودعا الله تعالى المسلمين إلى التدبر بملكوته والتفكر في عظمته وبديع خلقه من خلال هذه الوسائل ولا يكون كالكفار الذين تعطلت وسائلهم عن التدبر في الكون لقوله تعالى «وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون» (الأعراف: 198)، وقوله تعالى «ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل اولئك هم الغافلون» (الأعراف: 179)، وأن سبب الغفلة في عدم التفكر والتدبر، لذلك أكد الاسلام على ضرورة الحفاظ على كل مقومات المسلم.

وما أكثر من يفرط من المسلمين في هذا الزمان بالضروريات الخمس وجُلّ المصائب والجرائم لا تخرج الا من التساهل في فتنة المال وأمره عظيم (المال والبنون زينة الحيادة الدنيا) (الكهف: 46)، وأيضاً ما هو مشاهد من حولنا من كثرة الهرج والمرج وقتل النفس لأحقر الأسباب حيث لا يدري الإنسان فيما قتل ولماذا قتل، أما الأعراض فحدث ولا حرج فاستباحتها صارت مألوفة وتطالعنا الأخبار في كل حين بالمنتن والمقزز مما يحدث من انتهاك لأعراض المسلمين في أرجاء المعمورة وأما أم الخبائث فتعددت مسمياتها وأنواعها وأضررها النفسية والاجتماعية..

 

أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا.

والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،

 

اقرأ الجزء الأول من مقالة دعوة الإسلام إلى حفظ الضروريات الخمس 1-2

 

–––––––––––

إعداد/ فريق التحرير بلجنة الدعوة الإلكترونية

.

[opic_orginalurl]

Similar Posts