الشيخ/ أحمد أبو عيد

أولاً: تعريف الإسراء والمعراج

الإسراء

الإسراء لغة من السَّرى، وهو السير ليلاً.

وقيل:

الإسراء: هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى في سورة الإسراء: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء:1)

وأما المعراج: فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى في سورة النجم: “وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى” (النجم:13-18).

ثانياً: حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء والمعراج:

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله في مكة فترة طويلة، ولما لم يجد قبولا كبيرا للدعوة أحب أن يفتح بابا جديدا للدعوة في مكان آخر، فذهب إلى الطائف ومشى على قدمه مسافة طويلة جداً، ولما وصل إليها وبدأ يدعوهم إلى الله إذا بهم يغروا به سفهائهم وغلمانهم وصبيانهم فآذوه وألقوه بالحجارة حتى أدموا قدميه صلى الله عليه وسلم وألجئوه إلى خارج الطائف، وعاد مهموما حزينا.

ومع ذلك لما جاءه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال قائلا له: كما جاء عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال (لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) صحيح البخاري.. و(الأخْشَبَان): الجَبَلان المُحيطان بمكَّة. وَالأخشبُ: هُوَ الجبل الغليظ.

فيعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ويملأ الاسى قلبه ويملأ الحزن فؤآده، فزوجة حبيبة إلى قلبه قد فارقته، وعم كان يجود عنه قد فارقه، أصحابه في مكة والحبشة لا يستطيع حمايتهم، بل هو نفسه مطارد وقد فقد الأمل في أن يجد للدعوة ارضا خصبة في الطائف للدعوة إلى الله.

أما لهذه الاحزان من نهاية؟، أما لهذا الليل الذي طال ظلامه من صبح صادق وفجر مشرق؟

نعم لقد كان هناك حدث عظيم وتسلية مذهلة مسحت أحزان النبي صلى الله عليه وسلم وآلامه، لقد طوى الله له المسافات حتى رأى في جزء من هذه الليلة الجميلة الجليلة ما خلق الله في السماوات من الكواكب والنجوم والجنة والنار.

كانت هذه المعجزة مكافئة ربانية من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على ما لاقاه من آلام وأحزان طوال فترة الدعوة، وكأن الله تعالى يقول لحبيبه المصطفى: إن كان أهل مكة وأهل الطائف قد طردوك فإن رب السماوات والارض يدعوك، قم أيها المصطفى لترحل من عالم الأرض إلى عالم السماء، رفعه الله تعالى إليه ووضع عليه من حلل الرضا ما أنساه كل ما لاقاه من حزن وألم.

ثالثاً: قصة الإسراء والمعراج

قال تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”. وقال تعالى: “وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى”  (النجم: 1 – 18).

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ – وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ – قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ – قَالَ – فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ التي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ – قَالَ – ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فجاءني جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ – صلى الله عليه وسلم – اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بي وَدَعَا لي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بابني الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زكريا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم -. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لي بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ – صلى الله عليه وسلم – فَرَحَّبَ وَدَعَا لي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى – صلى الله عليه وسلم – فَرَحَّبَ وَدَعَا لي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم -. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ – صلى الله عليه وسلم – مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ – قَالَ – فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِىَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فإني قَدْ بَلَوْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّى فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِى. فَحَطَّ عَنِّى خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّى خَمْسًا. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. – قَالَ – فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً – قَالَ – فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى – صلى الله عليه وسلم – فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ “.صحيح مسلم.

ومعني “وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ”: أي هل أذن له بالصعود الى السماء، وليس كما يتوهم بأنه بعث إليه بالرسالة.

رابعا: الدروس المستفادة من الرحلة

1- ذكر الله على كل حال:

تبدأ سورة الإسراء بكلمة “سبحان” فيها التنزيه والتعظيم والإجلال لصاحب هذه المعجزة من ألفها إلى يائها، فكانت المعجزة كلها بقدر الله وبقدرة الله عز وجل، ولكن الأمةَ تتعلم درس التسبيح والتعظيم والتمجيد لله عز وجل ومفاد ذلك: أن تعيش الأمة مسبحه لله، أن تعيش الأمة ذاكرة لله، أن تعيش الأمة موصولة بذكرها وتسبيحها لله عز وجل، ولما لا تعيش الأمة مسبحة لربها والكون كله مسبح لله يقول تعالى: “وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ…” (الإسراء:44).

2- شرف العبودية “أسرى بعبده”:

يقول المولى سبحانه “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ” ولماذا لم يقل برسوله أو نبيه أو حبيبه أو خليله، فلله عز وجل في كونه عبيد وعباد، فكلنا عبيد الله الطائع فينا والعاصي والمؤمن فينا والكافر، ولكن عباد الله هم الذين أخلصوا له فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى، ما قال لهم افعلوه فعلوه وما نهاهم عنه انتهوا؛ ولذلك عندما يتحدث القرآن عن المخلصين بين خلق الله لا يسميهم عبيد ولكن يسميهم عبادًا يقول تعالى: “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا” (الفرقان:63).

وليعلم كل مسلم أن التمكين والنصر والتأييد والأمن لا يكون إلا لعباد الله عز وجل المخلصين قال تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا” (النور:55).

3- الاطلاع على قدرة الله تعالى:

‏إن القدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير، لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء، وإعادته إلى الأرض، في رحلة ربانية معجزة لا يدري كيفيتها بشر؛ فالإسراء: آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر؛ ولهذا ‏فقد أثار كفار قريش حوله جدلاً طويلاً، وتساؤلات كثيرة. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه، وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك، قادر على استبدالها بغيرها عندما يريد ذلك.

4- الاطلاع على بدائع صنع الله:

‏عندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير، قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.

5- مكانة المسجد الأقصى في الإسلام:

للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الانبياء جميعاً قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.

ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام، و المسجد النبوي والمسجد الأقصى.

6- الرسول صلى الله عليه وسلم إماماً للأنبياء والمرسلين:

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – (لَقَدْ رأيتني في الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تسألني عَنْ مسراي فسألتني عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا. فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يسألوني عَنْ شيء إِلاَّ أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ وَقَدْ رأيتني في جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّى فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – قَائِمٌ يُصَلِّى أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثقفي وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – قَائِمٌ يُصَلِّى أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ – يَعْنِى نَفْسَهُ – فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ قَائِلٌ يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فبدأني بِالسَّلاَمِ).صحيح مسلم

جعد: منقبض الشعر غير منبسطه، الضرب: الخفيف اللحم الممشوق المستدق.

الكربة: الغم والهم.

وفي هذا دلالات منها أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسئولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” (البقرة: 143).

7- أصل الدين واحد هو التوحيد:

‏إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه؛ ‏ليُعلموهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة، قال تعالى: “‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء: 25). وهذا يعني أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة في مناسبات عدة، منها: قوله عن نبي الله يونس “أخي كان نبيًّا، وأنا نبي” تفسير القرطبي.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: “أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ” رواه البخاري. والعَلات بفتح المهملة: الضرائر. وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها. والعلل: الشُّرب بعد الشرب. و أ‏ولاد العلات: الإخوة من الأب.

 أي أن شرائعهم متعددة، وأصل الدين واحد هو التوحيد. وجاءت ليلة الإسراء والمعراج تؤكد المعنى السابق، فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم السلام ترحيبًا بسيدنا محمد حين استقبلوه في السماوات العُلا هي: “مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ” رواه البخاري.

8-الإسلام دين الفطرة:

وقد ظهر ذلك في اختيار النبي – صلى الله عليه وسلم – اللبن على الخمر، وبشارة جبريل – عليه السلام – للنبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: هُدِيت إلى الفطرة، ففي ذلك دلالة على أن الإسلام هو الدين الذي يلبي نوازع الفطرة في توازن بين الروح والجسد، والمصالح والمفاسد، والدنيا والآخرة، فلو أن الفطرة كانت جسما ذا طول وأبعاد، لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره، وهذا من أهم أسرار سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه، رغم ما يوضع أمامه من عوائق وعقبات.. قال تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (الروم:30).

9- فضل ومكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

‏حيث صعد به رب العزة والجلالة إلى مكان عظيم لم يبلغه أحد من البشر قبله، حيث عرج به إلى السماوات السبع، وتخطاهن حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه رب العزة والجلالة.

10- انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين:

وعلم اليقين: بمعنى أنه إذا قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الجنة فيها ما لا عين رَأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فنحن نصدقه ولكننا لم نر شيئاً.

وعندما نرى ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عين اليقين أي رأيت ذلك المخبر عنه بعينك وذلك كما قال الله تعالى “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ” سورة التكاثر.

11- أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام:

وذلك أن الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة.

12- الاستفادة من الخبرات السابقة:

‏ويتضح لنا ذلك من خلال استجابة سيدنا رسول الله لنبي الله موسى بالمراجعة في أمر الصلوات: “… وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ…”.

13- شجاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجهر بالحق:

يظهر ذلك في مواجهته – صلى الله عليه وسلم – للمشركين بأمر تنكره عقولهم، فلم يمنعه من الجهر به، الخوف من مواجهتهم واستهزائهم، فضرب بذلك – صلى الله عليه وسلم – لأمته أروع الأمثلة في وقوف الحق أمام الباطل وأهله، وإن كان هذا الحق غريبا عليهم.

14- الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف:

فحينما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج وقص على قريش ما حدث، انطلق نفرٌ منهم إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر، فقال لهم: “لئن كان قال ذلك لقد صدق….

15- معجزة من معجزات النبي – صلى الله عليه وسلم – حارت فيها بعض العقول:

فزعمت أنها كانت بالروح فقط، أو كانت مناما، لكن الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف أنها كانت بالجسد والروح، قال الإمام ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة بجسده وروحه – صلى الله عليه وسلم – وإلى هذا ذهب جمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل.. وكذلك قال النووي – رحمه الله – في شرحه لصحيح مسلم.. ومن الأدلة كذلك على أن الإسراء والمعراج بالجسد والروح استعظام كفار قريش لذلك، فلو كانت المسألة مناما لما استنكرته قريش، ولما كان فيه شيء من الإعجاز.

إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا، فلعلنا ننتفع بهذه الدروس، ونحيي بها ما اندثر في النفوس.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد

___________________________________________

المصدر: بتصرف عن شبكة الألوكة.

[opic_orginalurl]

Similar Posts