إعداد فريق التحرير

في هذا المقال، سنلقي الضوء على أبرز المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولنا أن نتساءل: هل كان من الممكن أن يكون هؤلاء مؤمنين بعقيدة التثليث أم موحدين اعتنقوا الإسلام كرسالة توحيدية خاتمة جاءت امتدادا لرسالات التوحيد السابقة التي جاء بها جميع الأنبياء والمرسلين؟

المسيحيون الموحدون واعتناق الإسلام عند ظهور النبي محمد

النجاشي

مسجد النجاشي في إثيوبيا

مسجد النجاشي رضي الله عنه في إثيوبيا

هو النجاشي أصحمة بن أبجر. كان أحد ملوك الحبشة، معدود في الصحابة رضي الله عنهم وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر، ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، صاحب من وجه، وقد توفي في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – فصلى عليه بالناس صلاة الغائب، ولم يثبت أنه – صلى الله عليه وسلم – صلى على غائب سواه.

أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه لما طلب عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة من النجاشي تسليم الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، دار الحوار التالي بين النجاشي وجعفر بن أبي طالب:

قال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال: نعم. قال: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من كهيعص (سورة مريم) فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد.

ثم قال لهم: ما تقولون في عيسى؟ فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود. فتناخرت بطارقته حوله، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي – والسيوم الآمنون.

ويروي ابن إسحق: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: فارقت ديننا. وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفنا، وقال: اركبوا، فإن هزمت، فامضوا، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب، فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم. ثم جعله في قبائه، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة: ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى. قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون فيه؟ قالوا: هو ابن الله، فقال – ووضع يده على صدره على قبائه – هو يشهد أن عيسى، لم يزد على هذا شيئا، وإنما عنى على ما كتب، فرضوا وانصرفوا. فبلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما مات النجاشي صلى عليه، واستغفر له.

هرقل

هرقل & النجاشي

كتاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم

روى البخاري ومسلم وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ … فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم … قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا … قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ …

ظل هرقل يسأل أبا سفيان عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان يجيبه. وبعد ذلك، قال هرقل لأبي سفيان: فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، (فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ).

وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، وكان يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.

ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَيَّ وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ”.

أما رد هرقل على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سعيد ابن أبي راشد أنه لقي التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص وكان شيخا كبيرا. فروى التنوخي أن هرقل دفع إليه كتابا فقال: اذْهَبْ بِكِتَابِي إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَمَا ضَيَّعْتُ مِنْ حَدِيثِهِ فَاحْفَظْ لِي مِنْهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ انْظُرْ هَلْ يَذْكُرُ صَحِيفَتَهُ الَّتِي كَتَبَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ، وَانْظُرْ إِذَا قَرَأَ كِتَابِي فَهَلْ يَذْكُرُ اللَّيْلَ، وَانْظُرْ فِي ظَهْرِهِ هَلْ بِهِ شَيْءٌ يَرِيبُكَ.

ويقول التنوخي أنه لما ناول النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال: (مِمَّنْ أَنْتَ)، فَقُلْتُ: أَنَا أَحَدُ تَنُوخَ، قَالَ: (هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ)، قُلْتُ: (إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ وَعَلَى دِينِ قَوْمٍ لَا أَرْجِعُ عَنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ)، فَضَحِكَ. وَقَالَ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، يَا أَخَا تَنُوخَ إِنِّي كَتَبْتُ بِكِتَابٍ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَهُ وَاللَّهُ مُمَزِّقُهُ وَمُمَزِّقٌ مُلْكَهُ وَكَتَبْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ (نجاشي كافر خلف النجاشي المسلم) بِصَحِيفَةٍ فَخَرَقَهَا وَاللَّهُ مُخْرِقُهُ وَمُخْرِقٌ مُلْكَهُ وَكَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِكَ بِصَحِيفَةٍ فَأَمْسَكَهَا فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْسًا مَا دَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ.
قُلْتُ: (هَذِهِ إِحْدَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَوْصَانِي بِهَا صَاحِبِي)، وَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهَا فِي جِلْدِ سَيْفِي، ثُمَّ إِنَّهُ نَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، قُلْتُ: (مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمْ الَّذِي يُقْرَأُ لَكُمْ) قَالُوا: (مُعَاوِيَةُ).

فَإِذَا فِي كِتَابِ صَاحِبِي [أي كتاب هرقل]: (تَدْعُونِي إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فَأَيْنَ النَّارُ؟)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ)، قَالَ: (فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهُ فِي جِلْدِ سَيْفِي).

ويروي التنوخي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قراءة الكتاب، قال: تَعَالَ يَا أَخَا تَنُوخَ، فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ قَائِمًا فِي مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَقَالَ هَاهُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ لَهُ فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضُونِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْحَجْمَةِ الضَّخْمَةِ.

وروى محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم: أن هرقل قال لدحية بن خليفة الكلبي، حين قدم عليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك، والله إني لأعلم أن صاحبك نبيٌّ مرسل، وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته، فاذهب إلى ضغاطر الأسقفّ، فاذكر له أمر صاحبكم، فهو أعظم في الروم مني، وأجوز قولاً مني عندهم، فانظر ما يقول.

فجاء دحية فأخبره بما جاء به من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ضغاطر: صاحبك، والله نبيٌّ مرسل، نعرفه في صفته ونجده في كتابنا باسمه، ثم ألقى ثياباً كانت عليه سوداً، ولبس ثياباً بيضاً، ثم أخد عصاه، ثم خرج على الروم وهم في الكنيسة، فقال: يا معشر الروم، إنه قد جاءنا كتاب أحمد، يدعونا فيه إلى الله وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن أحمد رسول الله.

فوثبوا عليه وثبة رجلٍ واحد، فضربوه فقتلوه، فرجع دحية إلى هرقل فأخبره الخبر، فقال: قد قلت لك: إنا نخافهم على أنفسنا، وضغاطر كان، والله، أعظم عندهم مني.

قال ابن حجر في فتح الباري: ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب ، فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله، فامتنع.

قلت (ابن حجر): وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي، قال: حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال: أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية، فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها، وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت، فقال لي: لأتحفنك بتحفة سنية، فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا ، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا.

المنذر بن ساوى

المنذر بن ساوي

كتاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى

كان المنذر بن ساوى ملك الخليج العربي في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكان نصرانيا إذ كان قومه من “عبد شمس” نصارى. ولقد كتب النبي محمد كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام. فأسلم ولكنه لم يكن في الوفد الذي حضر من البحرين لمقابلة رسول الله وإنما كتب إليه معهم بإسلامه.
فكتب المنذر إلى رسول الله: “أما بعد، يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إليَّ في ذلك أمرك.”

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإني أذكرك الله فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرًا، وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت على أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية”.

ورقة بن نوفل

ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى كان ابن عم أم المؤمنين السيدة خديجة وكان نصرانيا وأسلم في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. روى البخاري في صحيحه في كتاب بدء الوحي عن عائشة أم المؤمنين أن السيدة خديجة انطلقت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل، فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي.

وكان ورقة بن نوفل أول من بشَّر خديجة بنبوَّة الرسول محمد بعدما أخبرته بما حدث أثناء سفر محمد مع ميسرة بتجارتها إلى الشام، وما كان من أمر السحابة التي كانت تظله حتى دخل مكة، قال لها: (لئن كان هذا حقاً يا خديجة، فإنّ محمداً لنبي هذه الأُمّة، وقد عرفت أنّه كائن لهذه الأُمّة نبي يُنتظر هذا زمانه!) (الروض الأنف ج2، 161). ولم يمض شهر أو أقل أو أكثر قليلاً على هذا الكلام إلاّ وتزوجت السيدة خديجة برسول الإسلام. ولورقة بن نوفل قصيدة في هذا يبدو من سياقها أنّها نُظِّمت بعد هذا الحدث لما فيه من ذكر لسفر رسول الإسلام بتجارة خديجة، واستبشار بنبوّته ووعد باتباعه.

ولقد ورد في مسند الطياليسي أن ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو بن نفيل: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال من بيت إبراهيم. قال: وما تلتمس ؟ قال: ألتمس الدين. قال: ارجع؛ فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك.

بحيرى الراهب

روى الترمذي والحاكم عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعريّ، عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه محمد صلى الله عليه وسلم وأشياخ من قريش؛ فلما أشرفوا على الراهب بحيرى نزلوا فخرج إليهم، وكان قبل ذلك لا يخرج إليهم، فجعل يتخلّلهم وهم يحلّون رحالهم؛ حتى جاء فأخذ بيده ، صلى الله عليه وسلم ، وقال: هذا سيّد العالمين، هذا رسول ربّ العالمين هذا يبعثه الله رحمةً للعالمين؛ فقال أشياخ قريش: وما علمك بهذا؟ قال إنّكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلاّ خرّ ساجداً، ولا يسجدون إلاّ لنبيّ لأعرفه بخاتم النّبوّة، أسفل غضروف كتفه مثل التّفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاماً؛ فلما أتاهم به و كان -صلى الله عليه وسلم- في رعية الإبل قال: فأرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظلّه، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه ، يعني إلى فيء شجرة ، فلمّا جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينا هو قائم عليه يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإنّ الروم لو رأوه عرفوه بصفته فقتلوه؛ فالتفت فإذا بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم الراهب، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إنّ هذا النّبيّ خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلاّ قد بعث إليه ناس، وإنّا قد أخبرنا فبعثنا إلى طريقك هذا، فقال لهم: هل خلّفتم خلفكم أحداً هو خير منكم؟ قالوا: لا. إنّما أخبرنا خبره بطريقك هذا؛ قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه، هل يستطيع أحد من النّاس ردّه؟ قالوا: لا. قال: فتابعوه وأقاموا معه، فأتاهم فقال: أنشدكم الله أيّكم وليّه؟ قال أبو طالب: أنا؛ فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالاً، وزودّه الراهب من الكعك والزّيت.

سلمان الفارسي

روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عباس أن سلمان الفارسي حدثه حديثا جاء فيه: كنتُ رجلا فارسيا … واجتهدت في المجوسية … فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون … فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم … فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام … فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى … ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام …

وظل سلمان يخدم الرهبان الواحد تلو الآخر من الشام إلى الموصل إلى نصيبين إلى عمورية. ولما حضرت الوفاة راهب عمورية وطلب سلمان منه أن يخبره بمن يخدمه بعده من الرهبان، فقال له: بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.

فتوجه سلمان إلى أرض العرب وانتهى به المطاف في المدينة. ولما علم أن الأنصار مجتمعين بقباء على رجل من مكة يزعمون أنه نبي، توجه إليه. يقول سلمان: وقد كان عندي شي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال لأصحابه: كلوا وأمسك يده فلم يأكل، قال سلمان: فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم أنصرفت عنه فجمعت شيئاً، وتحوَّل رسول الله إلى المدينة، ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي: هاتان إثنتان، ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم أستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله استدرت عرف أني استثبت في شيء، فالقى ردائه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت على رسول الله أقبِّله وأبكي… وأسلم سلمان وحسن إسلامه.

_________

المراجع:

1- صحيح البخاري

2- صحيح مسلم

3- مسند الإمام أحمد

4- مسند الطياليسي

5- فتح الباري لابن حجر

6- سير أعلام النبلاء للذهبي

7- السيرة النبوية لابن إسحاق

8- الروض الأنف

 

اقرأ أيضا

تاريخ المسيحية والتحول من التوحيد إلى التثليث (4/1)

تاريخ المسيحية والتحول من التوحيد إلى التثليث (4/2)

تاريخ المسيحية والتحول من التوحيد إلى التثليث (4/3)

دور أباطرة الرومان في صياغة المسيحية المعاصرة

[opic_orginalurl]

Similar Posts