إدريس أحمد

لما كان أحد مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم التشريعية بيان ما جاء في الكتاب العزيز مصداقا لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] بالغ ابن عاشور فجعل تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء في القرآن من الأحكام والأخلاق كأنه العلة الأصلية في إنزال القرآن، وهذا البيان يتمثل في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته بل يأخذ حكم الأصل وهو القرآن لذلك جاء في الحديث: “ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه”؛ فكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في موضع البيان والتوضيح، ومنه ما يخص فريضة الزكاة .الهدي النبوي في إخراج الزكاة

ويستدعي هذا البيان أن نقف فنلتمس هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة، كيف كانت حالته وهديه صلى الله عليه وسلم من حيث أداء حق المال الذي هو الزكاة؟

1- وصف ابن القيم في زاد المعاد هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة والصدقة بأنه أكمل الهدي في وَقتِهَا وَقَدْرِها ونِصَابِها، ومَنْ تَجِبُ عليه ومَصْرِفِها، رَاعَى فيها مصلحةَ أربابِ الأموالِ ومصلحةَ المساكين، ففرض في أموالِ الأغنياءِ ما يَكْفِي الفقراءَ مِنْ غَيْرِ إجحافٍ.

2- جعل الزكاة واجبة في أربعة أصناف من المال لأنها أكثر الأموال دورانا بينهم في عهده، وحاجتهم إليها ضرورية.

أحدها: الزرع والثمار.

الثاني: بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم.

الثالث: الجوهران اللذان بهما قوام العالم وهما الذهب والفضة.

الرابع: أموال التجارة على اختلاف أنواعها.

3- جعل وجوب أداء الزكاة مرة كل عام وذلك في غير المزروعات والثمار، وجعل حول الزروع  والثمار عند كمالها واستوائها. يقول ابن القيم: “وهذا أعدل ما يكون، إذ وجوبها كل شهر أو كل جمعة يضر بأرباب الأموال، ووجوبها في العمر مرة مما يضر بالمساكين، فلم يكن أعدل من وجوبها كل عام مرة”.

4- حدد مقادير الواجب من الزكاة بحسب اجتهاد أرباب الأموال وتحصيلها وسهولة ذلك وصعوبته، فأوجب الخمس في الركاز (20%) دون الاعتبار بالحول، وأوجب نصف الخمس وهو العشر في الثمار والزروع إذا كان حرث الأرض بكلفة أقل (10%)، ونصف العشر فيما كان سقيه بالكلفة والدوالي والعمال (5%).

5- وأوجب ربع العشر (2.5%) في التجارات لأن كلفة التداول والإدارة وما يتصل بالتجارات أعظم.

6- وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا علم من الرجل أنه من أهل الزكاة أعطاه، وإن سأله أحد من أهل الزكاة ولم يعرف حاله، أعطاه بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب..

7- وكان من هديه تفريق الزكاة على المستحقين الذين في بلد المال، وما فضل عنهم منها حملت إليه ففرقها هو صلى الله عليه وسلم

8- ولم يكن من هديه أن يبعث سعاته إلا إلى أهل الأموال الظاهرة من المواشي والزروع والثمار.

9- وكان يبعثُ الخَارِصَ يخرُصُ على أهل النخيلِ ثَمَرَ نَخِيلِهم، وعَلَى أَهْلِ الكُروم كُرُومهم، ويَنْظُر كَمْ يجيء منه وسقًا، فيحسِب عليهم من الزكاةِ بقدرِه، والخرص: الحزر والتخمين.

10- ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل والرقيق، ولا البغال ولا الحمير، ولا الخضراوات، ولا المباطخ والمقاثي والفواكه التي لا تكال ولا تدخر إلا العنب والرطب، فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم يفرق بين رطبه ويابسه.

11- ولم يكن مِنْ هَدْيِهِ أخْذُ كرائِمِ الأموالِ، بل وسَطَه.

12- وكان ينهى المتصدِّقَ أَنْ يشتريَ صدقتَه، وكان يُبيحُ للغني أن يأكلَ منها إذا أهداها إليه الفقير.

13- وكان يستدينُ لمصالح المسلمينَ عَلَى الصدقةِ أحيانًا، وكان يستسلفُ الصدقةَ مِنْ أَرْبَابِهَا أحيانًا.

14- وكان إذا جاءَ الرَّجُلُ بالزَّكَاةِ دَعَا له، يقول: “اللَّهُمَّ بَارِك فيه وفي إِبِلِه”، وتارة يقول: “اللهم صَلّ عليه”.

15- أما صدقة التطوع فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى، ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه، قليلا كان أو كثيرا، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة.

* بتصرف من موقع إسلام أون لاين.

[opic_orginalurl]

Similar Posts