المعتقد الصحيح في السيد المسيح

المقرر عند ذوي العقول الصحيحة والطباع السليمة أن رب الموجودات وواجدها واحد أحد لا ند له ولا يكافئه أحد

المقرر عند ذوي العقول الصحيحة والطباع السليمة أن رب الموجودات وواجدها واحد أحد لا ند له ولا يكافئه أحد؛ بل إن هذا مما لا ينبغي أن يختلف فيه ذوي العقول ولا يتنازع به ذوي الفهوم، والأدلة لتقرير هذا الأصل العظيم أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تنكر، فمن أدلته دليل التمانع و بيان ذلك: أنّه لو تعلّقت إرادة أحدهما بإيجاد جسم متحرّك وأراد الآخر سكونه، فلا يخلو إمّا أن يقع مرادهما معا أو لا يقع مراد كليهما وهذا غلط؛ ففيه اجتماع المتناقضين أو يقع مراد أحدهما فإن حصل فالآخر عاجز والعاجز ليس بإله، قال عز وجل:

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) (المؤمنون 91:23-92).

فإذا تفرد الرب بشؤون الكون وتدبير أموره استحق التفرد بإخلاص العبادة له بكل صورها، ونتج عن ذلك عدم صحة صرف شيء من أنواع العبادة ومعتقدات الإلهية إلى غيره جل وعلا، وإن كان غير ذلك لحصل الفساد

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (الأنبياء 22:21)

وهذا هو مدار دعوة الأنبياء كلهم كما قال تعالى:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء 25:21)

وقال تعالى:

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل 36:16).

وعيسى عليه السلام من هؤلاء الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى ليدعو إلى إفراد الله في العبادة، ففي إنجيل مرقس [12- 28-30] ما نصه مما نسب إلى عيسى عليه السلام: ( إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا واحد، و تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك )وفي رقم -32- ما نصه: (فقال له الكاتب: جيد يا معلم قلت وقد نطقت بالحق لأن الله واحد ولا إله غيره )وفي إنجيل لوقا [4 :10] مما نسب إلى عيسى عليه السلام: (اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد) والخلاصة: إن الأدلة على أن الخالق الواحد الفرد هو المستحق لكل صروف العبادة وأنواع الذلة والخضوع من دون غيره ظاهرة قوية لا ترد ولا تدفع، وقد دَلَّ على هذه الحقيقة الناصعة نصوص الوحي الصحيحة والفطر السليمة والعقول الصريحة.

ونبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم رسول من أولي العزم الذين أرسلهم الله تعالى إلى خلقه لهدايتهم ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، قال ربنا سبحانه وتعالى:

وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (البقرة 253:2)

اصطفاه الله لرسالته وفضله على كثير من العالمين، وأوجب علينا احترامه والإيمان به، فمن أنكر شيئاً من ذلك لم يكن مؤمناً كما قال ربنا سبحانه وتعالى

قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة 136:2).

وقد أعطاه الله من المعجزات الكثيرة فخلقه من غير أب بقدرته وإرادته كما قال تعالى:

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (آل عمران 59:3)

ثم رفعه إليه، ليعيده في آخر الزمان فتنة ومحنة واختباراً للناس، فيعيدهم إلى التوحيد الحق ويخلصهم من الشرك والتثليث والضلال الخبيث، فلم يُصلب ولم يقتله اليهود كما يدعي الغششة.

قال تعالى:

الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (النساء 157:4)

فالذي يدّعي أنه صلب أو قتل فلا دليل معه إلا إتباعه للظنون والأوهام كما قال تعالى: بل رفعه إليه وطهره كما قال تعالى:

إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ (آل عمران 55:3).

فليس عيسى عليه السلام بإله ولم يخبر قومه بأنه إله، ولم يطلب منهم عبادته، بل طلب منهم إفراد الله بالعبادة و إخلاصها له وكان ذلك واضحًا في الأدلة التي سقناها أول المقالة، ومنها أيضًا ما جاء في إنجيل متى [26-36] مما ينسب إلى عيسى عليه السلام: ( فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك)، فلئن كان إلها فلمن كان يصلي؟!

وفي إنجيل يوحنا [8 – 40] قول عيسى عليه السلام: ( ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله)، وفي إنجيل يوحنا [20 – 17] قول عيسى عليه السلام: (اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إنِّي أصعد إلى أبي وأبيكم و إلهي وإلهكم) فهذه الأدلة المتضافرة –وغيرها أكثر– تدل بشكل ظاهر على بشرية عيسى عليه السلام، وأنه رسول أرسله الله تعالى لإخراج الناس من الضلال إلى الهدى، ولكن لما غلا فيه بعض الناس خلعوا عليه أوصاف الألوهية والربوبية تعالى ربنا عن كل هذا التخليط والتلبيس.

وفي إنجيل متى [27 – 46]: (صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: إيلي، إيلي، لما شبقتني؟ أي: إلهي، إلهي، لماذا تركتني) فواضح منه اعتبار الله إله له، على ما في الجملة من الغلط المنسوب إلى عيسى؛ فهل كان يشك بربه جل وعلا ليقول هذا الكلام؟ ومن ثم إن مدّعي قصة الصلب يدّعون معرفة عيسى عليه السلام بها قبل حدوثها؛ فلم هذه الشكاية منه في هذا المقام؟ ونقاش ادعاء الصلب والفداء طويل ليس هذا مقامه، والقصد هنا أن نبرهن على بشرية عيسى عليه السلام وعبوديته لله وأنه رسول الله.

وفي إنجيل يوحنا [17-3] قوله عليه السلام: (هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) أما ادعاء البعض أن عيسى إله، أو أنه صلب على الخشبة وأوذي الأذى الشديد، وأن ذلك كان فداء منه للبشرية وتخليصًا لها من ذنوبها ومعاصيها، فهذا كله مما لا أثارة عليه من علم، وهذا كله مجرد دعاوى مجردة عن البرهان الذي يخامر العقول والألباب ويحصل اليقين والإيمان، ولنقاش كل ذلك بسط ليس هذا محله. نعم فعيسى عليه السلام بريء من هذا المعتقد الفاسد فهو لم يقل أنه إله ولم يطلب من الناس عبادته بل وجههم إلى عبادة الله وحده عز وجل، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (المائدة 116:5).

وأخيراً:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚفَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران 64:3).

المصدر: .sahab.net

[ica_orginalurl]

Similar Posts