يتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للمهتدين الجدد في الممارسة الفعلية لهذه العبادات ، وقد يتخيل أي مهتد جديد أنه سوف يمارس هذه العبادات على الوجه التام منذ أول يوم يدخل فيه الإسلام…

(مقتطف من المقال)

د. محسن هريدي

تعد المرحلة التي تعقب النطق بالشهادتين أصعب مرحلة في حياة المهتدين الجدد، وقد تطول هذه الفترة لسنوات وقد تقتصر على عدة شهور، ويعتمد طول الفترة وقصرها على مدى تكيف المهتدي مع الحياة الجديدة التي اختارها وهداه الله إليها.

المحافظة على العبادات

المحافظة على العبادات

ومن الأمور التي يستغربها المهتدون الجدد وتمثل مصدر جذب نحو الإسلام مسألة ممارسة العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، فالصلاة مثلا كانت سببًا في هداية كثير من المهتدين داخل الكويت وخارجها، حيث كان الأذان- وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة– كل يوم خمس مرات بصوت جميل، وانتظار الإقامة ثم أداء الصلاة في جماعة في وقت واحد وراء إمام واحد لا يستطيع أحد أن يسبقه أو يساويه، والجميع وراءه سواسية، الوزير يقف بجوار الخفير، الغني بجوار الفقير، عوامل جذب تجذب انتباه غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، لذلك يبحث بعضهم عن هذه العبادة وأهميتها ثم يدرك أنه إذا مارسها فسوف تكون مصدر سعادة وطمأنينة، ولذلك يعلن اعتناقه للإسلام.

كيف يحافظ المهتدي الجديد على العبادات ؟

وقبل تناول موضوع محافظة المهتدين الجدد على العبادات أود أن أوضح أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال والأعمال الظاهرة والباطنة، والعبادة هي الهدف الأسمى من خلق البشر، يقول الله تعالي: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ“، والعبادة لا تقتصر على الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج، بل هناك أنواع كثيرة من العبادات مثل الخوف والرجاء والتوكل والنذر والذبح… إلخ، ولقبول العبادة شرطان هما إخلاص هذه العبادة لله تعالى وأن تكون هذه العبادة وفقًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

يتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للمهتدين الجدد في الممارسة الفعلية لهذه العبادات ، وقد يتخيل أي مهتد جديد أنه سوف يمارس هذه العبادات على الوجه التام منذ أول يوم يدخل فيه الإسلام، فاعلم أيها المهتدي الجديد أن الدين يسر وسهل وهناك أحكام خاصة بالمهتدين الجدد، ومن أهم هذه الأحكام  التدرج في التشريع، فالتحدي الأكبر لك هو الصلوات الخمس، ولا تتخيل أنك ستستيقظ في الرابعة صباحًا على غير عادتك لتصلي الفجر جماعة في المسجد، ولكن بالتدريج ستعتاد الاستيقاظ مبكرًا لصلاة الفجر ولن تحتاج لأداة التنبيه، بل صوت المؤذن هو الذي سيوقظك للصلاة وستصبح صلاة الفجر جزءًا لا يتجزأ من حياتك.

ومن التحديات التي تتعلق بالصلاة تعلم اللغة العربية لقراءة القرآن وبعض الأذكار، ونصيحتي لك هي ألا تعتقد أن الصلاة باللغة العربية هي الركن السادس بعد الحج، ولكن هناك قدرًا يسيرًا عليك أن تجتهد لتحصيله، وهو قراءة الفاتحة وسورة قصيرة وبعض الأذكار، وإذا تعذر الأمر فأد الصلاة بلغتك واعلم أن الله مطلع على نيتك وسيستجيب لدعائك، ولا تنس أن اجتهادك لتعلم هذا القدر اليسير مهم جدًّا فلا تتخيل أنك ستتعلم العربية بدون مجهود، التحق بالفصول التي تنظمها لجنة التعريف بالإسلام بالتعاون مع معهد كامز، أو قم بزيارة موقع المهتدين الجدد الذي أطلقته لجنة الدعوة الإلكترونية بعدة لغات www.new-muslims.info. واستمع إلى تلاوة الفاتحة وقصار السور من القراء الذين تفضلهم.

وعند تعودك على صلاة الفجر على وقتها، اجعل لك نصيبًا من صلاة التهجد في جوف الليل، وهذا لن يأتي بين يوم وليلة بل بالصبر والدعاء، وإذا لم تستطع فاجعل لنفسك ركعتين في أول الليل وستحسبان لك قيامًا بإذن الله، فقد ورد أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- سأل أبا بكر- رضي الله عنه- متى توتر؟ فقال: أول الليل، وسأل عمر- رضي الله عنه- السؤال نفسه، فرد عمر قائلًا: آخر الليل، فقال الرسول لأبي بكر: أخذت بالحزم، وقال لعمر: أخذت بالعزم.

وفضلًا عن الأجر الأخروي الذي ستناله يوم القيامة فإن المحافظة على أداء الصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم رمضان والحج والعمرة والذكر وتلاوة القرآن علاج فعال لكل الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان طبقًا لدراسة أجريت بعنوان «الوقاية والعلاج من الأمراض النفسية في ضوء السنة النبوية»، وكان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال بن رباح رضي الله عنه: أرحنا بها يا بلال.

فالصلاة تشعرك– أخي المهتدي- بالاسترخاء والهدوء النفسي وتساعدك على التخلص من القلق والتوتر العصبي، كما أن الصلاة تنهاك عن الإتيان بالفواحش والأمور المنكرة، كما حكى القرآن الكريم: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ“، فإذا هممت بمعصية، فتذكر دائمًا لماذا تصلي ولمن تصلي؟ وعندها لن تأتي بهذه المعصية.

وبعد عبادة الصلاة تأتي عبادة الزكاة التي فرضها الله على كل مسلم قادر يمتلك النصاب وحال عليه الحول، فإذا استوفيت هذين الشرطين– أخي المهتدي– سارع إلى إخراج حق الفقراء من مالك ولا تبخل، فالمال مال الله أودعنا الله إياه حتى يختبرنا ماذا سنفعل به، فإذا أحسنا استخدام هذا المال زاده الله ونمّاه لنا، وإذا أسأنا استخدامه سلبه الله منا، ودائمًا تذكر قول الله تعالى: “وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ“، وتذكر أيضًا أن الزكاة تطهر النفس من الشح والبخل، وتخيل معي أخي المهتدي أنه لو كان عليك دين لأحد فلن تنام الليل ولن يهدأ لك بال حتى تؤدي هذا الدين، فماذا عن دين الله عليك؟ فإذا أديت الزكاة طابت نفسك ووجدت راحة ولن يجد الهم طريقًا إلى حياتك.

وإذا كنت غير قادر على إخراج الزكاة فلا تحرم نفسك من الصدقات التي لها أجر عظيم عند الله، اجعل لك عادة يومية وهي أن تخرج ولو مبلغًا قليلًا في سبيل الله، وإلى جانب المال هناك أمور كثيرة لها نفس أجر الصدقة مثل تبسمك في وجه أخيك وإماطة الأذى عن الطريق، فلا تحرم نفسك– أخي المهتدي– من هذا الأمور الطيبة التي لها أثر كبير في حياتك وأجر عظيم بعد مماتك.

ولا ننسى هنا أن نذّكر إخواننا المحسنين من أهل الخير بألا يبخلوا بزكاتهم على الفقراء من المهتدين الجدد تأليفًا لقلوبهم وتثبيتًا لهم على هذا الدين، ثم تأتي عبادة الصوم التي أوضح الله تعالى الغاية منها في قوله تعالي: “يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ“.

قد تواجه مشكلة في أول يوم تصومه لأنك لم تكن لك عادة الانقطاع عن الأكل والشرب لفترة طويلة، ولكن بالتدريب والصبر والاستعانة بالله وكثرة الدعاء بأن ييسر الله لك أمر الصيام ستجتاز هذا الاختبار وهذا التحدي الذي يواجه كل مهتد جديد، وهنا أنصح بالمداومة على الصيام حتى بعد انقضاء شهر رمضان، وهو الأيام التي أوصى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بصيامها مثل الاثنين والخميس والأيام البيض وصيام يوع عاشوراء وصيام يوم عرفة، وتذكر أخي المهتدي أن جزاء الصيام اختص الله نفسه به: كل عمل ابن‏ ‏آدم‏ ‏له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به.

وأخيرًا يأتي الملتقى العالمي السنوي للمسلمين في موسم الحج، حيث يحرص كل قادر ماديًّا وجسديًّا على أداء هذه الفريضة التي لها آثار طيبة، وفي الحج يمارس المسلم عبادات فريدة لا تؤدى إلا في الحج مثل الطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة وتقبيل الحجر الأسود واستلام الركن اليماني وغيرها من الشعائر الخاصة بالحج، وعن جزاء الصوم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (العمرةُ إلى العمرة كفارةٌ لِمَا بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلاَّ الجنّة).

وحرصًا منها على أن يؤدي المهتدون الجدد هذه الفريضة تنظم لجنة التعريف بالإسلام رحلة سنوية لمجموعة من المهتدين الجدد، ولضمان استمرار هذه الرحلات نذكر أهل الخير بأن يجعلوا لهم نصيبًا من أجر تنظيم هذه الرحلات.. وتذكر أخي المهتدي أن الحج صورة مصغرة من موقف الناس يوم القيامة، ولذلك تزود من هذه العبادة بالأعمال الصالحة التي تنفعك في هذا اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

.

[opic_orginalurl]

Similar Posts