عفاف بنت يحيى آل حريد

لغة القرآن

العربية لغة القرآن

 جاء الإسلام واللغة العربية على درجة رفيعة من الفصاحة والبيان في الشعر والنثر، بيد أنها في حدود قبلية ضيقة، ثم اجتباها الله لتكون لغة الإسلام ولسان القرآن الكريم، كما قال الله -عز وجل-: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ (سورة الشعراء آية: 192-195)، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (سورة الشورى آية: 7)، وبلغ الرسول – صلى الله عليه وسلم – رسالة ربه بهذه اللغة المختارة، وأعطي جوامع الكلم، ليكون رحمة للعالمين ومرسلًا للناس كافة.

وبذلك تجاوزت اللغة العربية حدود القبيلة والقوم وارتبطت بالإسلام فكانت لغة عقيدته وشريعته وخطابه إلى جميع البشر. وعلى الرغم من عدم فرض اللغة العربية على الشعوب الإسلامية ذات اللغات الأخرى إلا أنها انتشرت بانتشار الإسلام في بلاد الشام والعراق وما وراء النهر من بلاد فارس والهند والسند وأنحاء واسعة من القارة الآسيوية حتى وصلت إلى أرخبيل الملايو، وانتشرت في مصر وشمال أفريقيا وغربها ووسطها وجهات السودان وعلى السواحل وفي الجنوب، وكذلك تأثرت اللغات الأوروبية بها منذ بداية الصراع البيزنطي الإسلامي في الشرق، ثم القوطي (الأسباني) مع الإسلام في إسبانيا، وما أسهمت به الحروب الصليبية على مدى قرون من الزمان، وعبر الاتصال الحضاري بين الحضارة الإسلامية والغرب في الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا وبلدان البلقان.

وقد كتب كثير من الباحثين المحدثين من المستشرقين وغيرهم عن أثر اللغة العربية في اللغات التي دخلت معها في صراع لغوي وأنجزوا إحصائيات علمية مقارنة للمفردات العربية المبثوثة خلال تلك اللغات وأظهروا نسبة تأثيرها؛ وعلى سبيل المثال قال أحد الباحثين: (درست أثر العربية في اللغات الشرقية وأحصيت نسبتها وهي: في الفارسية (67 و60%)، وفي التركية (30 و65%)، وفي الأردية (95 و41%)، وفي التاجيكية (39 و46%)، وفي الأفغانية (99 و56%).

وعلى هذا المنوال لاحظ الباحثون في اللغات المقارنة تأثير اللغة العربية العميق في سائر اللغات المنتشرة في العالم الإسلامي، وعللوا ذلك بتعليلات كثيرة ومتنوعة يأتي في مقدمتها الدين؛ ومهما كانت التعليلات فإن اللغة العربية حققت هذا الإعجاز؛ لأنها في المقام الأول حملت آيات القرآن الكريم المعجز إلى آفاق المعمورة، وصادفت الحفاوة والترحيب.

منزلة اللغة العربية ومميزاتها

إن الإحاطة بمنزلة اللغة العربية ومميزاتها الأساسية التي عملت على قوتها وانتشارها من الصعوبة بمكان، ولكن نقتصر هنا على الآتي:

1. كون اللغة العربية ارتبطت بشعائر الإسلام وعبادته وغدت جزءًا أساسيًّا من لغة المسلم اليومية وفي حياة الأمة الإسلامية؛ لأنها ملازمة للفرائض الإسلامية؛ فقد أوجب الإسلام أن تكون إقامة الصلاة وتلاوة القرآن وترتيله، والأذان، ومناسك الحج والدعاء، وسائر الشعائر الدينية، ونحو ذلك باللغة العربية.

لكل هذا ارتقت منزلة اللغة العربية عند المسلمين، وتفقه المختصون في دراسة علوم العربية ووضع قواعدها في النحو والصرف، والبيان، والمعاني، وموازين الشعر، ورسم الحروف، والخط وغيرها، وألفوا فيها عددًا ضخمًا من نفائس الكتب، ومنهم العرب وغيرهم، ونشطت لذلك بوجه خاص في زمن باكر مدرستا البصرة والكوفة، فظهر في الأولى مثلًا أول معجم لغوي، وأول كتاب في أوزان الشعر، وأشهر كتاب في نحو العربية، منذ أكثر من اثني عشر قرنًا، وهو معجم العين وكتاب العروض للعالم الفذ (الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري) والكتاب لسيبويه.

2. حركة التعريب التي بدأت في خلافة عبد الملك بن مروان، الذي بدأ يسك عملة عربية، وكانت الدواوين والأعمال الرسمية تكتب باللغة الإفريقية أو الفارسية أو القبطية حسبما تقتضيه الظروف المحلية فغير ذلك كله إلى اللغة العربية.

ومما ساعد على ترسيخ اللغة العربية ونشرها حركة الترجمة التي بلغت أوجها في عهد المأمون.

3. مميزات اللغة العربية الذاتية، فقد كسبت الصراع اللغوي الذي خاضته وهي تلازم انتشار الإسلام بسبب عامل جوهري هو أنها لم تكن لغة مستعمر غاصب ولا سلطان مستغل، وإنما كانت لغة الفطرة، لغة القلب والعقل، لغة الغيب والشهادة، لغة العدل والرحمة والمساواة والحق، إلى جانب ذلك فإنها امتازت بخصائص فريدة كتب عنها كثيرٌ من الباحثين في اللغات، وكان من أبرز ما استنتجوه الآتي:

أ. أنها اللغة التامة الحروف، الكاملة الألفاظ، لم ينقص منها شيء من الحروف فيشينها نقصانه، ولم يزد فيها شيء فيعيبها زيادته.

واعترف بعض المستشرقين بهذه الخصيصة، إذ يقول (رينان): من أغرب المدهشات أن تثبت تلك اللغة وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرُّحَّل، تلم اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها.

ب. لا تقتصر اللغة العربية على كونها وسيلة تعبير، وإنما تتميز اللغة العربية بأنها ذات مضامين علمية ومنهجية وموضوعية وحضارية، وتميزت في ذلك كله بالبيان والسهولة والوضوح على الرغم مما قد يبدو من صعوبة تعلمها في بادئ الأمر.

وخلاصة القول: إن اللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، واللغة العربية شعار الأمة الإسلامية، وهي من أهم وسائل تميزها وهو ما أدركته الأمة وسار تاريخها في ضوئها وبهدي منها.

قال ابن تيمية: اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًّا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.

لقد سبق شيخ الإسلام برؤيته هذه علماء اللغات الذين خلصوا إلى القول بأن: اللغة ليست مجرد أداة للفكر بل هي جزء منه ووسيلة للتميز والحفاظ على الذاتية والهوية المستقلة عن غيرها.

المراجع:

– اللغة العربية لغة القرآن ورسالة الإسلام/ لعلي الشابي.

– عالمية اللغة العربية/ لمحمد بن الحاج.

– اقتضاء الصراط المستقيم/ لابن تيمية.

– اللغة العربية في التعليم العالي والبحث العلمي/ لمازن مبارك.

——-

المصدر: موقع الإسلام (بتصرف يسير).

[ica_orginalurl]

Similar Posts