القرض في الإسلام من محاسن الشريعة، ومن نعم الله تعالى على البشرية؛ لأن الإنسان في هذه الحياة معرض للابتلاء والامتحان، ومعرض لمحن الدنيا ونائبات الدهر، فقد تظهر له حاجة، أو تُلم به فاقة لا يجد ما يسدها ولا ما يقضيها به، مما قد يوقعه في الحرج والكرب والضيق…

(مقتطف من المقال)

إعداد/ فريق التحرير

القرضتناولنا في مقال سابق قضية الدَّين، ومحاذير الإسراف فيه، وإنفاقه في غير الضروريات، وتساهل البعض في عدم توكيد النية على رده.. وفي مقالنا التالي سنتناول بالعرض والشرح.. حلا إسلاميا أصيلا لمشاكل المعسرين.. وهو القرض الحسن.. فما هو؟ وما الفارق بينه وبين الدين؟.. وما الأدلة الواردة في شأنه؟

أولا: ما هو القرض الحسن؟

القرض في الشرع هو دفع مال إلى من ينتفع به ويرد بدله، جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: إعطاء شخص مالاً لآخر في نظير عوض يثبت له في ذمته، مماثل للمال المأخوذ بقصد نفع المعطى له فقط. فالغرض منه أصالة معونة المقترض وتفريج كربته بمنحه منافع المال المقرض مجاناً مدة من الزمن، ولا يجوز أن يكون سبيلاً للاسترباح وتنمية رأس المال المقرض.

وأما الإحسان فيه فهو درجة زائدة على ذلك، فالقرض الحسن كما قال أهل التفسير هو (أن يكون عن احتساب وطيب نفس)، فباذله يبتغي به وجه الله عز وجل طيبة به نفسه لا منة فيه ولا أذى، وزاد بعضهم كونه من المال الحلال خاصة؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

ألفاظ القرض في القرآن الكريم

عبر القرآن الكريم عن القرض وهو اسم بألفاظ مختلفة مشتقة من الفعل الماضي الثلاثي (قرض) بصيغة الفعل المضارع والأمر كذلك المصدر كما يلي: – أقرضتم: “وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا” (المائدة:12).

وأقرضوا: “إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ” (الحديد:11).

تقرضوا: “إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ” (التغابن:17)

يقرض: وقد ورد مرتين في آيتين في سورتين كالتالي: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ” (البقرة:245)، “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ” (الحديد:11). قرضا: ورد لفظ قرضا ست مرات في سورة البقرة والمائدة والحديد والتغابن والمزمل.

حكم القرض:

1- القرض مستحب للمقرِض، ومباح للمقترض.

وإذا كان الإسلام قد رغَّب فيه المقرِض، وندبه إليه، فإنه أباحه للمقترض، ولم يجعله من باب المسألة المكروهة؛ لأنه يأخذ المال لينتفع به في قضاء حوائجه، ثم يرد بدله.

2- كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم كأن يقرضه مالاً، ويشترط عليه أن يسكن داره، أو يقرضه مالاً بفائدة، كأن يقرضه ألف ريال بألف ومائتين بعد سنة.

عَنْ أَبِي برْدَة قَالَ: أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدالله بن سَلامٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، فَقال: ألا تَجِيءُ فَأطْعِمَكَ سَوِيقاً وَتَمْراً وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ قال: إِنَّكَ بِأرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَأهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِباً. أخرجه البخاري.

شروط صحة القرض:

يشترط لصحة القرض ما يلي:

1- أن يتم القرض بالصيغة، وهي الإيجاب والقبول، أو ما يقوم مقامهما.

2- أن يكون العاقد-مقرضاً أو مقترضاً- بالغاً، عاقلاً، رشيداً، مختاراً، أهلاً للتبرع.

3- أن يكون مال القرض مباحاً في الشرع.

4- أن يكون مال القرض معلوم المقدار، ليتمكن المقترض من رده.

 أجر القرض الحسن ومكانته

ثواب وأجر القرض عظيم كما أوضحت الآيات والأحاديث الواردة في شأنه؛ فثواب القرض أضعاف مضاعفة؛ وأضعافا كثيرة وأجرا كريما وهو الجنة فضلا عن محو السيئات ومغفرة الذنوب. وفى الأرض كذلك استبقاء للأجر والثواب يوم القيامة جزاء ما قدمت في الدنيا من صالح الأعمال فإن الدنيا فانية والآخرة باقية.

فالقرض في الإسلام من محاسن الشريعة، ومن نعم الله تعالى على البشرية؛ لأن الإنسان في هذه الحياة معرض للابتلاء والامتحان، ومعرض لمحن الدنيا ونائبات الدهر، فقد تظهر له حاجة، أو تُلم به فاقة لا يجد ما يسدها ولا ما يقضيها به، مما قد يوقعه في الحرج والكرب والضيق.. وبهذا تبرز مكانة القرض في الشريعة، فحين يحتاج المسلم لبعض المال؛ لحاجة نازلة أو فاقة أو جائحة فإن الشريعة تبيح له الاقتراض من أخيه المسلم لسد حاجته، وإغناء فاقته، وتفريج كربته.

والقرض الحسن من فضائل الأعمال وما يتقرب به إلى الله الكبير المتعال، وقد ندبنا إليه الشارع الحكيم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة). رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة). رواه ابن ماجه والبيهقي.

الفرق بين القرض الحسن والدَّين

الدَّين أعم من القرض، إذ القرض أحد أنواع الاستدانة فالدين قد يكون ناشئا عن قرض، وقد يكون ناشئا عن غيره من بيع أو عوض متلف أو نحو ذلك.. والمقصد الأساسي من القرض بمعنى الإقراض هو الثواب الأخروي.

وقد بين الشيخ عبد الكريم الخضير الفرق الدقيق بينهما في جوانب أخرى فقال: القرض هو بذل المال لمن يحتاجه من غير فائدة، والأصل فيه أنه بدون أجل، والدين لا بد أن يكون بأجل، والغالب أنه تبعاً لهذا الأجل يكون فيه فائدة للبائع زائد على قدر الثمن، وعلى كل حال الفرق ظاهر بينهما، في الدين ينتفع صاحب الدين، وفي القرض لا ينتفع نفعاً في الدنيا وإن كان له الأجر والثواب من الله ـ جل وعلا ـ. اهـ من شرح بلوغ المرام للشيخ عبد الكريم الخضير.

إذا فالقرض الحسن هو الذي لا تشترط فيه زيادة عند ردّه، وثوابه عظيم عند الله سبحانه؛ لأنه من باب التيسير على المُعسر، والتعاون على الخير، وقيل إن ثوابه أفضل من ثواب الصدقة كما سبق.

وكان القرض في الجاهليّة مشروطًا بزيادة في نظير تأجيل الدين، وتتكرّر الزيادة بتَكرار الأجل، وهو ما يُطلق عليه لفظ (الربا).

مسائل متنوعة في القرض

** هل يجوز أن أستلف من شخص تجارته معروفة بالحرام، وأنه يتعاطى الحرام؟

الجواب: لا ينبغي لك يا أخي أن تقترض من هذا أو أن تتعامل معه، ما دامت معاملاته بالحرام، ومعروف بالمعاملات المحرمة الربوية أو غيرها، فليس لك أن تعامله، ولا أن تقترض منه، بل يجب عليك التنزه عن ذلك والبعد عنه. لكن لو كان يتعامل بالحرام وبغير الحرام؛ يعني معاملته مخلوطة فيها الطيب والخبيث، فلا بأس، لكن تركه أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس). فالمؤمن يبتعد عن المشتبهات، فإذا علمت أن كل معاملاته محرمة، وأنه يتجر في الحرام، فمثل هذا لا يعامل ولا يقترض منه.

(نشر الرد في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ / محمد المسند، ج2، ص: 416)

** ما حكم الاحتيال على الأنظمة التي تمنع الحصول على أكثر من قرض لنفس الشخص من خلال تسجيل أحد القرضين باسمي والثاني باسم زوجتي؟

الجواب: هذا التصرف لا يجوز؛ لما فيه من الكذب والتحيُّل على مخالفة نظم الدولة الموضوعة لتحقيق المصلحة العامة. والواجب رد المبلغ إلى الصندوق، مع التوبة إلى الله سبحانه من هذا العمل السيئ. أصلح الله حال الجميع.

(نشر الرد في (المجلة العربية)، وفي مجلة (البحوث الإسلامية)، العدد: 27، ص: 84)

** ما الحكم فيمن صُرف له قرض حسن من عدد الزملاء، وجهل أماكنهم عند حلول فترة الرد؟

الجواب: المشروع له أن يتصدق عنهم، ومتى عثر على أحد منهم يعطه حقه، إلا أن يسمح بالصدقة التي فعلها عنه، وبذلك تبرأ ذمته، ويحصل له ولهم الأجر.

(نشر الرد في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ / محمد المسند، ج3، ص: 10).

___________________________________________

المصادر والمراجع:

*شبكة إسلام أون لاين

*موقع طريق الإسلام

*شبكة إسلام ويب

*شبكة نداء الإيمان

*شبكة الألوكة الشرعية

*موقع الفتوى 

[opic_orginalurl]

Similar Posts