يحدثنا القرآن الكريم عن طائفة تقر بالإله الخالق، لكنها ترى أنه قد اعتزل الكون بعد أن وضع فيه القوانين التي تسيره…

د. عمرو شريف

الكون

يحدثنا القرآن الكريم عن طائفة تقر بالإله الخالق، لكنها ترى أنه قد اعتزل الكون بعد أن وضع فيه القوانين التي تسيره.

يرى الكثير من المفسرين أن القرآن الكريم لم يتناول قضية الوجود الإلهي، باعتبارها فطرة في النفس البشرية، لذلك اتجه القرآن مباشرة إلى تناول أنماط الانحراف المختلفة عن هذه الفطرة.

و نحن نختلف مع هذا الرأي؛ فالكثير من آيات القرآن الكريم تدور حول إثبات حقيقة الوجود الإلهي، كما تدعو الإنسان للنظر في آيات الآفاق والأنفس حتى يتبين أن القرآن حق وأن الإله حق.

والقرآن الكريم باعتباره موجها للبشر جميعا، وباعتباره خاتم الرسالات السماوية كان طبيعيا أن يخاطب البشر جميعا، ابتداء من المؤمنين صادقي الإيمان إلى مدعي الألوهية، مرورا بجميع أشكال الطمس والانحراف التي يمكن أن تصيب الفطرة الإنسانية..

وإليكم أهم أنماط هذا الانحراف كما جاءت في القرآن الكريم:

لمتابعة الجزء الأول من المقال يمكنكم زيارة الرابط التالي:

القرآن الكريم والإلحاد (1)

4- يخبرنا القرآن الكريم بما سيدَّعيه بعض الكافرين بعد أربعة عشر قرنا عن خلق الكون والإنسان من عدم. فيقول الحق: “أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ” (الطور:35) سبحان الله ف “مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ” تعني من غير مادة ومن غير سبب أول، و “هُمُ الْخَالِقُونَ” تعني أن المخلوق (الكون والإنسان) قد أوجد ذاته، وكلاهما مما وقع من الملاحدة المعاصرين.

5- يحدثنا القرآن الكريم عن طائفة تقر بالإله الخالق، لكنها ترى أنه قد اعتزل الكون بعد أن وضع فيه القوانين التي تسيره، ومن ثم ينكر هؤلاء “القيومية” أي ينكرون متابعة الإله الخالق للكون بالحفظ والتدبير والرزق و… وقد قال فيهم الحق عز وجل “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” (العنكبوت:61).

6- يخبرنا القرآن بأن من الكافرين من يقر بالقيومية (متابعة الله عز وجل خلقه بالرعاية)فقال: “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” (العنكبوت:63) لكنه ينكر أن يكون الإله قد تواصل مع البشر عن طريق الأنبياء أو الرسل، أي ينكرون الديانات، وهذه الطائفة تقابل (الربوبيون) بالمعنى المعاصر.

ويهدف هؤلاء من إنكارهم للدين –في المقام الأول- إنكار البعث والثواب والعقاب. فعند ذلك لن يكون هناك مبرر للعبادات والالتزام بأوامر الله عز وجل ونواهيه. وبذلك يفرغون الألوهية من كل معنى وقيمة: “وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا” (الإسراء:49)، “زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (التغابن:7).

7- يأتي بعد المدعين والمنكرين (المشركون). والمشرك هو الذي يؤمن بوجود الله عز وجل، لكنه يعبد معه غيره، بزعم أنه يقربه إلى الله عز وجل: “…وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ” (الزمر:3).

وقد كان هذا الصنف من الكافرين أكثر من واجه دعوة الإسلام في بدايتها في مكة المكرمة.

ومن أشكال الشرك الأخرى التي يعرضها القرآن الكريم ويكشف فسادها أن يتخذ الإنسان من “هواه” شريكا لله تعالى أي أنه يسلم زمام نفسه لميوله ورغباته: “أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا” (الفرقان:43)، “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ…” (الجاثية:23).

__________________________________

المصدر: د. عمرو شريف، الإلحاد مشكلة نفسية، نيو بوك، الطبعة الثانية، 2016.

[ica_orginalurl]

Similar Posts