سبحان ربي.. القابض الباسط

أ.د. عمرو شريف

القابض الباسط

تناقض بديع في خلق الله تعالى بين جبال الثلوج ببرودتها وجفافها، وغابات الخضرة برونقها.. سبحان ربي المبدع!

يجمع الوجود من حولنا بين المتناقضات المتكاملة بشكل مذهل، فبعض الكواكب تمثل آتوناً شديد الحرارة لقربها من أحد النجوم، والبعض الآخر تقارب حرارته الصفر المطلق لبعده عن مصدر الحرارة، بل إن كوكباً واحداً ككوكبنا يجمع بين البرودة الشديدة التي تصل إلى عشرات الدرجات تحت الصفر في القطبين وبين الحرارة الشديدة التي يفور بها بطن الكوكب وتنتشر في صحاريه.

 ويظهر التناقض أيضاً في الأحجام، ما بين جسيمات تحت ذرية مفرطة في الدقة والصغر وبين المجرات الهائلة. كما تتفاوت الأحجام في عالم الاحياء من البكتريا التي لا تُرى إلا بالمجهر إلى الحيتان التي يبلغ حجم بعضها عمارة من عدة طوابق.

 وأيضا يجمع الوجود بين اللطافة المفرطة كالغازات الخفيفة والموجات الطويلة، وبين ما هو شديد الكثافة كالنجوم النيترونية والثقوب السوداء. كذلك نجد ثنائيات السالب والموجب، والمادة ومضادات المادة، والقطب المغناطيسي الشمالي والقطب الجنوبي.

 و المدهش أن هذه الثنائيات الفيزيائية المتناقضة تتبع كلها بنية واحدة، وهي بنية الموجة والذرة و الطاقات الأربع، وأيضاً تخضع لقوانين واحدة.

وإذا انتقلنا إلى منظومات السلوك و الأفكار والمشاعر، قابلنا في كل منها ظاهرة الثنائيات المتناقضة. فنجد الحلم والغضب، والنفع والإضرار، والكرم والبخل، والقلق والسكينة، والأمانة والخيانة، والحرص واللامبالاة، والتكبر والتواضع، والانشراح والاكتئاب، والجمال والقبح، و….

الخافض الرافع.. القابض الباسط

 إن هذا الوجود المتناقض ظاهراً والمتكامل حقيقة لا يكون إلا تجليّاً لمنظومات من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الموجد المدبر، والتي قد تبدو متناقضة لكنها في حقيقتها متكاملة، لذا نجد من الصفات الإلهية: الظاهر الباطن – المقدم المؤخر – الخافض الرافع – القابض الباسط – المحيي المميت- الضار النافع – اللطيف القوي المتين. لذلك نجد الأفعال والصفات المتقابلة لله سبحانه وتعالى مبثوثة في العديد من آيات القرآن الكريم، ومنها:

وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (الذاريات: 47) ويقابلها: ” يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ…” (الأنبياء:104).

وفي الآية الأولى، الله سبحانه وتعالى “يوسع السماء” وفي الآية الثانية ” يطويها”

وقد نجد المتقابلات مجموعة في آية واحدة : “وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ” (يس:68).

فالله سبحانه وتعالى جمع بين التعمير والتنكيس في نفس الآية.

_____________________________

المصدر: بتصرف يسير عن كتاب/ الوجود رسالة توحيد، نيوبوك للنشر، القاهرة، ط1، 2015

[ica_orginalurl]

Similar Posts