قال ابن سعدي: حقيقة الشرك أن يُعبَد المخلوق كما يعبَد الله، أو يعظَّم كما يعظَّم الله، أو يصرَف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية…

(مقتطف من المقال)

إعداد / فريق التحرير

الشرك

إن أعظم ما عُصي به الله منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا الشرك به سبحانه، حتى وصف الله هذا الذنب بالظلم العظيم، فقال تعالى: “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان:13) وما ذلك إلا لما فيه من الجناية العظيمة في حق الخالق جلَّ جلاله. فالله هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي يحيي، وهو الذي يميت، ومع كل هذه النعم، وهذه المنن.

والمشرك يجحد ذلك وينكره، بل ويصرف عبادته وتعظيمه لغير الله سبحانه . فما أعظمه من ظلم وما أشده من جور، لذلك كانت عقوبة المشرك أقسى العقوبات وأشدها، ألا وهي الخلود الأبدي في النار، قال تعالى في بيان ذلك: “… إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ…” (المائدة:72) وكل ذنب مات العبد من غير أن يتوب منه حال الحياة فإمكان العفو والمغفرة فيه يوم القيامة واردٌ إلا الشرك والكفر، فإن الله قد قطع رجاء صاحبه في المغفرة، قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا” (النساء:48).

معنى الشرك في اللغة

قال ابن فارس: الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدلّ على مقارنة وخلافِ انفرادٍ، والآخر يدلّ على امتداد واستقامة.
فالأول: الشركة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، يقال: شاركت فلانًا في الشيء إذا صرت شريكَه، وأشركت فلانًا إذا جعلته شريكاً لك.
وقال الجوهري: الشريك يجمع على شركاء وأشراك، وشاركت فلاناً صرت شريكه، واشتركنا وتشاركنا في كذا، وشركته في البيع والميراث أشركه شركة، والاسم: الشرك.
وقال أيضاً: والشرك أيضاً الكفر، وقد أشرك فلان بالله فهو مشرك ومشركيّ.

معنى الشرك شرعًا:

قال ابن سعدي: حقيقة الشِّرك أن يُعبَد المخلوق كما يعبَد الله، أو يعظَّم كما يعظَّم الله، أو يصرَف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية.
وقال الدهلوي: إن الشِّرك لا يتوقّف على أن يعدِل الإنسان أحداً بالله، ويساوي بينهما بلا فرق، بل إن حقيقته أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال ـ خصها الله تعالى بذاته العلية، وجعلها شعارًا للعبودية ـ لأحد من الناس، كالسجود لأحد، والذبح باسمه، والنذر له، والاستعانة به في الشدة، والاعتقاد أنه ناظر في كل مكان، وإثبات التصرف له، كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح به الإنسان مشركاً.

3- الفرق بين الشرك والكفر:

1- أما من حيث اللغة فإن الشرك بمعنى المقارنة، أي: أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما. أما الكفر فهو بمعنى الستر والتغطية.
قال ابن فارس: الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية، إلى أن قال: والكفر ضد الإيمان، سُمّي لأنه تغطية الحق، وكذلك كفران النعمة جحودها وسترها.
2- وأما من حيث الاستعمال الشرعي فقد يطلقان بمعنى واحد، قال الله تعالى: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـاذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبّى لأجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً. قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَـاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا” (الكهف: 35-38).
وقد يفرق بينهما، قال النووي: الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك.

4- أنواع الشرك: 

الشرك ثلاثة أنواع:

أولا: الشِّرك الأكبر .

ثانيا: الشِّرك الأصغر .

ثالثا: الشِّرك الخفي .

والشرك المقصود بكلامنا هنا هو الشرك الأكبر المخرج من الملة، وهو على أنواع:

1- شرك في الربوبية:

هو اعتقاد أن ثمة متصرف في الكون بالخلق والتدبير مع الله سبحانه. وهذا النوع ادعاه فرعون لنفسه: “فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ” (النازعات:24) فأغرقه سبحانه إمعانًا في إبطال دعواه، إذ كيف يغرق الرب في ملكه الذي يسيره؟!

2- شرك في الألوهية:

 وهو صرف العبادة أو نوع من أنواعها لغير الله، كمن يتقرب بعبادته للأصنام والأوثان والقبور ونحوها، بدعوى أنها تقرِّب من الله، فكل هذا من الصور الشركية في الألوهية، والله لم يجعل بينه وبين عباده في عبادته واسطة من خلقه، بل الواجب على العباد أن يتقربوا إليه وحده من غير واسطة فهو المستحق لجميع أنواع العبادة، من الخوف والرجاء والحب والصلاة والزكاة وغيرها من العبادات القلبية والبدنية، قال تعالى: “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ“(الأنعام:162،163).

3- شرك في الأسماء والصفات:

وهو اعتقاد أن ثمة مخلوق متصف بصفات الله عز وجل كاتصاف الله بها، كمن يعتقد أن بشراً يعلم من الغيب مثل علم الله عز وجلَّ، أو أن أحدا من الخلق أوتي من القدرة بحيث لا يستعصي عليه شيء، فأمره بين الكاف والنون، فكل هذا من الشرك بالله، وكل من يدعي ذلك فهو كاذب دجَّال.

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأنواع في جملة واحدة من جوامع الكلم حين سئل عن الشرك بالله فقال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) متفق عليه، والند هو المثيل والنظير فكل من أشرك بالله سواء في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات فقد جعل له نداً ومثيلاً ونظيرًا.

هذه هي أنواع الشرك الأكبر، وأما الأصغر، فهو وإن لم يكن مخرجًا من الملة إلا أن صاحبه قد ارتكب ذنباً عظيماً، وإذا لقي العبد ربه به من غير توبة منه في حال الحياة، كان تحت المشيئة إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة، ومن أمثلة الشرك الأصغر الحلف بغير الله من غير أن يعتقد الحالف أن منزلة المحلوف به كمنزلة الله عز وجل في الإجلال والتعظيم، فإن من اعتقد ذلك كان حلفه كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، ومن أمثلته أيضاً قول القائل: ما شاء الله وشئت، فقد جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقولون: ما شاء الله ثم شئت) رواه النسائي.

ومن أنواع الشرك الأصغر الرياء، وهو أن يقصد العبد بعبادته عَرَضَ الدنيا، من تحصيل جاه أو نيل منزلة، قال تعالى: “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” (الكهف:110)، وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر ؟ يا رسول الله، قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة: إذا جُزِيَ الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء).

هذا هو الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر، والواجب على المسلم أن يكون على علم بتوحيد الله وما يقرِّب إليه، فإن من أعظم أسباب انتشار الشرك بين المسلمين الجهل بما يجب لله من التوحيد، وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على بيان التوحيد الخالص، وحريصاً على بيان الشرك وقطع أسبابه، إلا أن البعد عن منبع الهدى من الكتاب والسنة أدخل طوائف من الأمة في دوامات من الممارسات الخاطئة لشعائرٍ كان من الواجب صرفها لله، فصرفت إلى مخلوقين لا يستحقونها.

[opic_orginalurl]

Similar Posts