م. محمود صقر

هبطت على هاتفي واحدة من تلك الرسائل الطائرة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم؛ حيث يرسلها البعض نقلا عن آخرين، عَنْوَنَها صاحبنا بعنوان: “الرد المُفْحِم من مسلم على هندوسي”:

“سأل هندوسي مسلما: لماذا تدفنون موتاكم في التراب ولا تفعلون مثلنا وتحرقونهم بالنار؟

فرد عليه المسلم: لأن الحرق للنفايات والدفن للكنوز”!

هذا هو الرد الذي اعتبره صاحبنا رداً مفحماً، ولو كان هذا الرد شائعاً في أجدادنا الأوائل الذين دخل أهل جنوب شرق آسيا في دين الله أفواجا على أيديهم، لما رأينا بينهم اليوم مسلماً واحداً!

ما عَلِمَه الأجداد وجهله بعض الأبناء أن أصل العلاقة بين البشر هي التعارف.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

والتعارف ضد التناكر والتنابذ، والتعارف يقتضي كسر القشور والغوص في الأعماق؛ فالشعوب تتقاذف التهم بعضها ضد بعض في عنصرية مقيتة وجهل مطبق. وعند كسر قشور الجهل والعنصرية والغوص في أعماق المعرفة، تجد الصورة مختلفة، أو على الأقل تحوي تفاصيل كثيرة تحت هذه الأفكار السطحية.

والقرآن كما وضع المنهج العام للتعارف أعطانا نماذج تفصيلية؛ ففي نموذج عدم مسارعة ملكة سبأ لقبول دعوة سيدنا “سليمان” يغوص بنا من القشور إلى الأعماق: {وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ}.

يعني لها عذران:

الأول: ما ألفته من عبادة قومها (ما كانت تعبد).

والثاني: تأثير بيئتها الاجتماعية (إنها كانت من قوم فاسقين).

فهل نتعامل نحن كذلك مع الناس، ممن يفصل بيننا حدودا جغرافية أو دينية أو مذهبية أو قومية، أو حتى بيننا نحن أهل الملة الواحدة؟!

هل ندرك اختلاف البيئات والثقافات ومألوف العادات وتأثيرها على معتقدات الإنسان وسلوكه؟

كان المسلمون يدركون ذلك حين كانوا على وعي بدورهم الرسالي، وقاموا بأكبر نشاط بشري لترجمة الإنتاج العلمي والفكري للأمم، ولولا هذا الفهم ما انتشر الإسلام على أيديهم في مشارق الأرض ومغاربها.

في هذه البلاد نفسها التي يسخر صاحبنا من أهلها، كنت أزور معبدا هنديا في جزيرة (Elephanta)، مقابل “مومباي”، وجدت معبدا مقاما داخل كهوف طبيعية داخل الجزيرة، ولفت نظري تحطم بعض أجزاء من التماثيل، فسألت دليلي السياحي فقال لي: برغم تعاقب الدول على حكم الهند ومنهم المسلمون فإن هذه التماثيل لم تُمَس بسوء، حتى اكتشفها البرتغاليون واتخذوها هدفاً للتسلية والتدريب على الرماية.

نحن نحتاج إلى أن تتسع بفهم تعاليم الإسلام عقولنا، وتتسع بروحه السمحة قلوبنا، حتى نتمكن من أداء دورنا الرسالي تجاه العالم.

[ica_orginalurl]

Similar Posts