التسامح مع أتباع الديانات الأخرى

التسامح في المسيحية والإسلام

بالرغم من أن التسامح كان شيمة كلا النبيين محمد وعيسى إلا أن السيد المسيح كانت دعوته سلمية لعدم تمكنه من الجهاد أصلا بخلاف النبي محمد الذي نصره الله بالسلم والسيف

يدعي كثيرون أن المسيحية كانت أكثر تسامحًا من الإسلام في دعوة أتباع الديانات الأخرى والتعامل معهم بصفة عامة وأن السيد المسيح عليه السلام كان أكثر تسامحًا من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويستدل هؤلاء على زعمهم بما نسب من مثيلات المقولة التالية للسيد المسيح في العهد الجديد:

“وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمْ، فَاخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَانْفُضُوا التُّرَابَ الَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ”. (مرقس 11:6).

فيدعي هؤلاء أن المسيح لم يواجه التكذيب به وبرسالته بمنطق القوة والعنف على غرار ما كان من النبي محمد والإسلام.

ولكن لنا أن نسأل في هذا المقام: هل كانت دعوة السيد المسيح سلمية محضة لا جهاد فيها؟ يمكن استنباط الإجابة على هذا السؤال من أقوال السيد المسيح التالية:

“أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي” (لوقا 27:19)

“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ”. (متى 10 :34-36)

“جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَّلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا. لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا” (لوقا 12: 49-53).

وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا. فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». (يوحنا 2: 13-17)

“كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَهذَا لَهُ الآبُ وَالابْنُ جَمِيعًا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ. لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ” (رسالة يوحنا الثانية 9-11).

مما سبق يتبين لنا أن نية الجهاد كانت متوفرة لدى السيد المسيح عليه السلام فكل دعوة تحتاج إلى قوة تحميها وتدافع عنها. ولكن هل تمكن السيد المسيح من الجهاد كما تمكن منه النبي -محمد صلى الله عليه وسلم؟

والجواب: لا؛ فلقد كان السيد المسيح يعيش في ظل الدولة الرومانية الوثنية ولم يكن له أتباع يستطيعون نصرته وتأييده وحمايته والدفاع عنه. ولقد كان السيد المسيح يعلم أن حوارييه سوف ينكرونه ويخزلونه وينفضون عنه بل ويسلمونه إلى عدوه، حيث ينقل العهد الجديد عنه قوله:

حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». قَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» هكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلاَمِيذِ (متى 26 :31-35).

ولذلك، لم يستطع السيد المسيح الجهاد لنشر دعوته، ولم يكن في مقدوره سوى الدعوة السلمية إلى الله تعالى، ولم يفكر لحظة في الدخول في صراع مع السلطة القائمة، بل ودعا حسبما ورد في العهد الجديد إلى الخضوع إليها والانقياد لها وطاعتها بالرغم من أن تلك السلطة كانت وثنية لم تؤمن بالله إلها بل ولم تؤمن به هو نبيًا ورسولاً أو حتى معلما ومسيحًا.

فنحن نقرأ: “فَرَاقَبُوهُ وَأَرْسَلُوا جَوَاسِيسَ يَتَرَاءَوْنَ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ لِكَيْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ، حَتَّى يُسَلِّمُوهُ إِلَى حُكْمِ الْوَالِي وَسُلْطَانِهِ. فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَامُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ بِالاسْتِقَامَةِ تَتَكَلَّمُ وَتُعَلِّمُ، وَلاَ تَقْبَلُ الْوُجُوهَ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ. أَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعْطِيَ جِزْيَةً لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» فَشَعَرَ بِمَكْرِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ أَرُونِي دِينَارًا. لِمَنِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ»” (لوقا 20:20-25).

كما نقرأ: “أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ” (رسالة بطرس الأولى 17:2).

أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإلى جانب دعوته السلمية إلى الله تعالى، أمر بإعداد ما استطاع من القوة العسكرية للدفاع عن نفسه وعن دعوته. يقول الله تعالى:

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ (الأنفال 60:8).

فلقد أمر صلى الله عليه وسلم بالجهاد للدفاع عن نفسه وعن دعوته. بل إنه صلى الله عليه وسلم أمر أيضا بتحريض المؤمنين على الجهاد. ففي القرآن الكريم، يقول الله تعالى:

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (النساء 84:4).

كما يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (الأنفال 65:8).

وبخلاف الحواريين الذي خذلوا السيد المسيح، استجاب صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم له وذادوا عنه وفدوه بأنفسهم وأموالهم. وعن ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران 3 :172-175).

وهكذا قيض الله تعالى للنبي محمد رجالا ينصرونه ويؤيدونه. يقول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الأنفال 64:8)،

كما يقول تعالى:

وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (الأنفال 62:8)

ولذلك، كثيرا ما يثني القرآن الكريم على صحابة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويعدهم بحسن المثوبة. فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى:

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال 74:8).

وعلى الرغم من التمكين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض وتأييده بقوة عسكرية شديدة من المؤمنين الصادقين المخلصين، ظل تسامح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قائمًا حتى في حال الحرب وحتى تجاه العدو المشرك.

فلقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ميالًا للسلم ولا يقبل على الحرب إلا إذا اضطر إلى ذلك. كما أنه أُمر بالجنوح إلى السلم متى جنح العدو إليه. يقول الله تعالى:

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال 61:8).

ولقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة الأسرى ويعفو عنهم ويطلق سراحهم بأمر من الله تعالى. يقول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنفال 70:8).

كما يقول تعالى:

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (الأنفال 38:8).

وأخيرًا، لنا أن نقول أن السيد المسيح لم تتح له فرصة الجهاد حتى يجاهد ولم يكتب الله تعالى له أن تقام له ولدعوته ولرسالته دولة يقيم فيها حدود الله. ولذلك، لم تتح له سوى الدعوة السلمية إلى الله تعالى.

ومن الخطأ مقارنة السيد المسيح بالنبي محمد أو رسالة المسيح برسالة النبي محمد وإن كنا نؤمن برسالتيهما على قدم المساواة، لأن النبي محمد مكنه الله تعالى بل وأمره بالجهاد والإعداد له وقيض له رجالا ينصرونه ويؤيدونه. وهكذا تمكن النبي محمد من الدعوة السلمية إلى الله تعالى شأنه شأن السيد المسيح وعلاوة على ذلك أيده الله تعالى بالقوة العسكرية اللازمة فاستطاع الدفاع عن نفسه وعن دعوته وأقام دولة تقام فيها حدود الله. ومع ذلك كله، ظل النبي محمد والإسلام سمحا متسامحا ولكن هذه السماحة كانت سماحة المنتصر المؤيد المختار لها ولم تكن سماحة الضعيف المخزول المكره عليها حيث افتقد من ينصره أو يؤيده.

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- الكتاب المقدس

 

اقرأ أيضا:

التسامح مع الآخر في المسيحية والإسلام (2/1)

[ica_orginalurl]

Similar Posts