د. ضياء الدين العطيات

إن من نافلة القول بيان حاجة البشر إلى البيع والشراء وتبادل الأموال والمنافع، وقد تنوعت في طرائقهم على اختلاف الأزمنة والأمكنة. وفي عصرنا الحالي، صارت سلع العالم أقرب إلى الإنسان من بيت جاره، ويكفيه أن يتكئ على أريكته ممسكاً هاتفه الذكي لينقر بإصبعه نقرات تأتيه بسلع المشرق والمغرب محمولة إلى باب بيته من خلال التجارة الإلكترونية.

إن هذا التطور التقني الهائل الذي تغيرت على إثره تعاملات الناس المادية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ليزيدنا قناعة بشمولية الدين وكماله، ويؤكد جلال شريعتنا، وأنها جاءت صالحة لكل زمان ومكان، مقررة للقيم والمبادئ التي تجلي موقفنا من كل نازلة، مع بيان للضوابط الشرعية التي يستقيم بها أمر الناس ومعاشهم، وتصلح بها تعاملاتهم، وتحفظ بها حقوقهم وأموالهم، ولا يخفى أن حفظ المال مقصد عظيم من مقاصد شريعتنا الغراء.

لقد جاء القرآن الكريم بتقرير عظيم في قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ} (البقرة: 275)، وهذه الآية أصل لقاعدة شرعية جليلة قررها أئمة الإسلام حين قالوا: «الأصل في المعاملات الإباحة»، وهذه القاعدة الكليّة ينبني عليها المنظور الإسلامي للتجارة بشتى صورها ونوازلها.

وبهذا، فإن النظر إلى التجارة الإلكترونية وأحكامها وضوابطها لا يختلف عن التجارية التقليدية وضوابطها.

فأركان البيع الصحيح في الإسلام: البائع والمشتري والسلعة والثمن، ولكل منها شروطه الشرعية المعتبرة، إلا أن هذه الأركان قد تختلف وسائل معرفتها واستيفاء شروطها في التجارة الإلكترونية، فمعرفة الجهة البائعة وتملكها للسلعة، أو المشتري وأهليته، أو معرفة السلعة وأوصافها وطرق معاينتها، وآلية الإيجاب والقبول ودفع الثمن وقبضه، واستلام المثمن، كلها باتت تتحقق بطرق تختلف عن البيع التقليدي، منها ما هو مباح، ومنها ما تكتنفه المحاذير التي تجعله بيعاً محرماً.

محاذير شائعة في التجارة

وبالرغم من أن التجارة الإلكترونية تمتاز بعدة خصائص كالسرعة والسهولة والتوفير وخفض التكاليف؛ فإن هنالك محاذير شائعة يحسن التنبيه عليها، للبائع والمشتري على حد سواء.

فمن المحاذير بيع السلع المحرمة، وبيع الذهب والفضة التي يشترط فيهما التقابض يداً بيد، وبيع التاجر بضاعة ليست تحت تصرفه، والغش والغرر في وصف السلعة وإظهارها على غير حقيقتها، سواء في تصوير المنتج على غير ما هو عليه، أو إخفاء بعض الأوصاف المؤثرة في جودة السلعة، أو كتابة تلك الأوصاف  في مكان غير ظاهر للمشتري، أو عرض صورة لمنتج مع السعر لمنتج آخر أدنى منه، مثل أن تكون الصورة المعروضة لإناء كبير، والسعر المعروض للإناء من الحجم الصغير، أو عدم الإشارة إلى الحجم أو الوزن الحقيقي، أو الإشارة لذلك في مكان خفي لا ينتبه له المشتري، ومثل ذلك عرض صور لمنتجات من علامات تجارية أصلية عالمية، بينما هي بضائع تجارية مقلّدة.

كما أن من التغرير الشائع الإشارة في الصفحة الرئيسة للمنتج بأن شحن السلعة مجاناً، وعند إتمام الصفقة يتبين أن الشحن غير مجاني، وأن الشحن المجاني خاص بمن اشترى خمس قطع فأكثر على سبيل المثال.

ومن المحاذير الشائعة جداً، تغرير المشتري بعروض وتخفيضات وهمية، كأن يكتب البائع بأن هذا المنتج بنصف سعره الأصلي، أو أن هذا التخفيض ليومين فقط، وكل ذلك مخالف للواقع.

غش المشتري

إن الغش والخداع في التجارة الإلكترونية لا يقتصر على البائع، بل إن المشتري أيضاً قد يقع منه ذلك، مثل أن يدعي على البائع أن المنتج لم يصله، مع أنه قد وصل إليه، أو يصله سليماً فيستخدمه ويقوم بإتلافه ويدعي أنه قد وصله تالفاً ليحصل على بديل آخر له أو يسترد ثمن المنتج، وغيرها من أساليب الغش والخداع مما يطول بيانه.

إن من أعظم القيم الإسلامية السامية التي ينبغي لمن يمارس التجارة الإلكترونية أن يحرص عليها لهي الصدق والأمانة واجتناب الغش والخداع، والحرص على بيان وصف المنتج بما يطابق حقيقته، لا سيما وأن التجارة الإلكترونية يتعذر فيها على المشتري الفحص الحسي المباشر للمنتج قبل الشراء، كما يتعذر على البائع التأكد من حالة المنتج عند وصله للعميل، وهذا ما يحمل التاجر والعميل مسؤولية دينية وأخلاقية عظيمة.

لقد جاء تأكيد هذا المبدأ العظيم في الحديث الصحيح الذي بيّن أخلاقيات البائع والمشتري: “فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”.

كما أن القيم الإسلامية في البيع والشراء لا تقتصر على المنتج فحسب، بل على أخلاق المتعاملين، قبل البيع وأثناءه وبعده، جاء في الحديث الصحيح: “رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى”.

وفقنا الله وإياكم لصالح القول والعمل، والله أعلم.

* بتصرف من موقع “المجتمع”.

 

[opic_orginalurl]

Similar Posts