تقف وراء ظاهرة الإلحاد التي ظهرت بين شبابنا (مفاهيم ونماذج معرفية) مختلفة، تختلف من مجموعة لأخرى، يمكن أن نطلق عليها جميعا اسم (الإلحاد السفسطائي)…

د. عمرو شريف

الإلحاد

لا يمكن للمهتم بظهور الموجة الإلحادية في بلادنا أن يفصل بينها وبين مد الإلحاد الجديد في الغرب.

يتردد في الإعلام العربي (والمصري بصفة خاصة) أن مدَّا إلحاديا ظهر بين الشباب العربي في الفترة الأخيرة، فما نصيب هذه الأقوال من الحقيقة؟

ليس لدينا دراسات إحصائية دقيقة للإجابة عن هذا التساؤل، لكن انطباعي الشخصي يؤكد وجود هذا المد. ففي العامين الماضيين حاورت عشرات من الشباب الملحدين والمتشككين، كما علمت بيقين وجود مجموعات إلحادية في بعض الجامعات والمدارس (حتى الإسلامية والمسيحية منها)، حيث يوزع البعض أوراقا على الطلبة تحمل هذه الأفكار، وأيضا في النوادي ومختلف التجمعات الشبابية.

هذا بالإضافة إلى استحداث عشرات المواقع الإلحادية العربية على الإنترنت، بل وإصدار مجلات ومطبوعات إلحادية تشكيكية فاخرة الإخراج توزع في مختلف الدول العربية. وقد سجل أحد أكبر المواقع العربية الإلحادية أن الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر 2012 شهد انضمام 350 شابا ملحدا جديدا إلى الموقع، وكان نصف هذا العدد من الفئة العمرية 15-25 سنة.

موجة الإلحاد.. خلفيات وتبعات

لا يمكن للمهتم بظهور الموجة الإلحادية في بلادنا أن يفصل بينها وبين مد الإلحاد الجديد في الغرب. ذلك المد الذي ظهر بوضوح في الفترة من (2004 – 2007) على هيئة عدة كتب إلحادية أصولية تعادي الإله والأديان بشراسة، وفي الوقت نفسه تفتقد لأدنى الحجج موضوعية، ذلك بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات والمناظرات التي شغلت الإعلام الغربي لفترات طويلة.

أقول أن العلاقة بين موجة بلادنا ومد الغرب أوضح من أن تخطئها عين، فقد حدثتا بتتابع قريب، كما اتخذ الملاحدة من شبابنا من رموز المد الإلحادي الغربي مثلا أعلى لهم.

ولا شك أن شبكة المعلومات (الإنترنت) قد يسرت اطلاع الشباب على ما يموج به العالم من أفكار إلحادية، كما سمحت شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة بتبادل هذه الأفكار بينهم.

وقد تزايد هذا المد الإلحادي بعد ما عُرف بثورات الربيع العربي (عوامل نفسية مجتمعية)، ويرجع ذلك إلى نجاح الشباب في تحديهم لرموز السلطة في هذه البلاد، وهو ما شجع بعضهم على تحدي الرمز الأكبر متمثلا في منظومة الألوهية والدين، كما سمح جو الحرية الذي أتاحته هذه الأحداث بالبوح بتلك الأفكار.

في الجانب الآخر عجز الخطاب الديني التقليدي عن مجاراة ما تموج به الأوساط الإلحادية من أفكار وحجج علمية وفلسفية، بسبب اكتفائه بالطرح التراثي وانقطاعه عن المستجدات العلمية والحضارية. وتشير دراسات عديدة إلى أن الفكر الديني القاصر من أهم أسباب المد الإلحادي المعاصر في بلادنا العربية.

الإلحاد السفسطائي[1] و أنماطه

تدور الحجج المعلنة للإلحاد في الفكر الغربي حول القضايا العلمية الخاصة بخلق الكون وظهور الحياة ونظرية التطور الدارويني والأبحاث الحديثة في شتى المجالات العلمية، وهو ما يسوغ تسميته ب (الإلحاد المادي الطبيعي). أما الفكر الإلحادي بين شبابنا فدور هذه القضايا العلمية فيه قليل، بينما للخلفية النفسية فيه الدور الأكبر، كما أن للانطباعات العامة فيه دور كبير أيضا.

وتقف وراء ظاهرة الإلحاد التي ظهرت بين شبابنا (مفاهيم ونماذج معرفية) مختلفة، تختلف من مجموعة لأخرى، يمكن أن نطلق عليها جميعا اسم (الإلحاد السفسطائي) وسأعرض في المقالات التالية أنماط وأسباب الإلحاد السفسطائي بين الشباب في بلادنا، وذلك من خلال ما لمسته بتجربتي الشخصية، سواء في محاوراتي ومناظراتي معهم أو متابعتي لمواقعهم وكتاباتهم. وقد أطلقت على كل نمط إلحادي وخلل في النموذج المعرفي اسما يعبر عن سماته ويميزه عما سواه.

ويلاحظ المتأمل لهذه الأنماط أنها تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين؛

المجموعة الأولى، وتشمل الأسباب الحقيقية وراء إلحاد الملحدين، وهي الأسباب النفسية العميقة، التي تتخفى وراء أسباب موضوعية يعلنها شبابنا.

المجموعة الثانية، وتشمل الحجج العلمية والفلسفية المُعلنة، ويختلف مدى صدق مواقف الشباب الملاحدة من هذه المفاهيم، وإن كان نصيب معظمهم من خلفيات وتفاصيل ما كُتب في تفنيد هذه الحجج ضئيلا للغاية.

يُتبع>>>

الهامش:

[1] – نقاش سفسطائي أو جدال سفسطائي مشتق من سفسطة (باليونانية:σόφισμα) (بالإنجليزية: Sophism) وتعني سفسطائي (سوفيتيس) أي الحكيم أو المعلم. وهي ظاهرة فلسفية نشأت في بلاد الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد وتطلق على أدعياء العلم والفلسفة مع أنهم يملكون ثقافة ضحلة وخصوصا في العلوم الطبيعية والرياضيات والفلسفة لكنهم بارعون في البلاغة والخطابة التي هي لب دراستهم وتركيزهم ومن خلال هذه الخاصية يقلبون الحقائق ويخلطون الأمور ولعل أهم ما يميزهم هو استعدادهم للنقاش والجدال إلى ما لا نهاية وبدون ملل… بحسب الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”.

_____________________________________________

المصدر: بتصرف يسير جدا من كتاب الإلحاد مشكلة نفسية، د. عمرو شريف، نيو بوك للنشر، الطبعة الثانية، 2016، ص: 333

 

[ica_orginalurl]

Similar Posts