الشيخ طه سليمان عامر (خاص بموقع مهارات الدعوة)

لم يأتِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم ليعلن الحرب على أعراف وعادات المجتمعات الإنسانية، وما تواطأ عليه الناس مما عليه صلاح معاشهم، وتيسير حياتهم، وحسن التواصل بينهم، وما ألِفوه كذلك من العادات والتقاليد.. ذلك لأن رسالته جاءت وقد تجاوزت البشرية مرحلة الطفولة، وأصبح لديهم ما لديهم من مواريث

الشيخ طه عامر

النبوات، ورصيد من الفطرة السليمة، وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك قائلا: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

ولا ريب أن التشريع الإسلامي راعى العادات والأعراف الإنسانية، فأقرَّ ما كان منها صالحا، وأكمل ما كان ناقصا، وأبطل ما كان ظاهر الفساد، ولم ينزع الناس -إذا اقتضت الضرورة- عن عرف رسخ في نفوسهم جملة واحدة؛ فعندما واجه بعض العادات الفاسدة التي ترسخت في نفوسهم، وأصبح من العسير عليهم الانخلاع منها دون مقدمات؛ اختط لنفسه سياسة التدرج والرفق في فطام الناس عنها، والمثال ظاهر في تحريم الخمر والربا.

اعتبار العرف في الفتوى والدعوة

اعتبر العلماء العرف في الفقه والفتوى، يقول ابن عابدين:

والعرف في الشرع له اعتبار

لذا عليه الحكم قد يُدار

وهو مؤثر في فقه المعاملات من العقود والبيوع، والأيْمان وغير ذلك من أبواب الفقه، وللعلماء تفصيل في وكلام طويل، كما أكدوا أهمية معرفة المفتي لأعراف المجتمع الذي يعيش فيه، ونص غير واحد منهم على أن أحد أهم عوامل تغير الفتوى هو: العرف كما ذكر ابن القيم في الجزء الأول من كتابه الجليل إعلام الموقعين، وفصل القول كذلك في هذه المسألة الإمام القرافي.

والعرف مصدر من مصادر التشريع المختلف فيها كما هو مقرر عند علماء الأصول.

وليس من مقصودي الاستطراد هنا، إنما قصدت تحديدا أن يعرف الدعاة والمسلمون في أوروبا طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه بثقافته وأعرافه وعاداته وتاريخه وفلسفة حياته، فمن المهم جدا أن نعرف عادات المجتمع في طعام وشرابه وهيئة لباسه وأعرافه في الأفراح والأحزان وأنواع المجاملات، وما يتعلق بالآداب العامة، فلا يظل المسلم غريبا عن الناس بعيدا عنهم، قد وضع حواجز بينه وبين المجتمع ورضى بهذه الحال وما لها من تداعيات سلبية على مستويات عديدة.

لماذا نخاف من الانفتاح؟

أعتقد أن الإجابة تتطلب تفصيلا لكن أهم ما أراه: أن الضعيف الذي يعيش معزولا عن المجتمع يخاف من الانفتاح على الآخرين، وكيف نخاف ونحن بحول الله نمتلك رؤية معيارية وقواعد شرعية وضوابط دقيقة نحاكم من خلالها الأفكار والآراء والأعراف؛ فما وجدناه نافعا صالحا احتفلنا به وشاركنا الناس فيه، وقلنا إن المشترك الإنساني كبير، ويشكل منطلقا للتعايش بيبنا وبين جميع الناس. وما وجدناه يُزري بالدين أو النفس أو العقل أو المال، ويفسد في الأرض رددناه ولا كرامة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

ولا نخلط بين المقدس والبشري؛ ذلك لأن بعض المسائل الفقهية التي يكثر الجدل حولها مردها للأعراف والعادات، وبعض الأعياد التي لها أصول دينية نجد أنها اكتست بالطابع الاجتماعي، وأصبح الغالب عليها، وبالتالي لو حررنا محل النزاع لأرحنا واسترحنا.

وهاكم بعض القواعد الضابطة المعيارية والمنجدة التي ترسم الحدود، وتفض الاشتباك في قضايا كثيرة وهى: “الأصل في العبادات التوقيف”.

وقد وردت هذه القاعدة بصيغ مختلفة ولكن مقصودها واحد؛ فالوحي هو مصدر وضع العبادات؛ فليس لبشر أن يزيد عليها أو أن ينقص.

والقاعدة الثانية للإمام الشاطبي “والأصل في العادات الالتفات إلى المعاني”

أي أنها مبنية على مصالح الناس، وهذه قاعدة ذهبية تشكل مفتاحا واسعا للتواصل مع أمم الأرض والاقتباس من محاسن عاداتهم ومعاملاتهم، إلا ما جاء النص بتحريمه.

ولهذا فما يستحدثه الناس من المعاملات والأعراف يجب أن نضعه على ميزان المقاصد والمصالح، لا ميزان التعبد المحض.

والخلط بينهما يحدث خللا كبيرا؛ فانظر معي لأثر الخلل الحاصل:

لماذا يُحرم البعض الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي، وعيد الأم أو الأعياد الوطنية؟ وتراك تقرأ فتاوى على وسائل التواصل تُقَلِّب بعدها كفيك عجبا وتقول: أهذا هو التدين الذي يُراد للمسلمين أن يَحيَوه؟ أهكذا نقدم تصور الإسلام لجوانب اجتماعية مهمة في حياة الناس؟!

فالخطأ هنا أننا وضعنا المسألة على غير ميزانها.

وقل مثل ذلك في تحريم تهنئة غير المسلمين بأعياد الميلاد، وسبب الخطأ في القول بالتحريم محاكمتها إلى ميزان التعبد والعقيدة، والأمر ليس كذلك.

والأمثلة كثيرة في هذا الباب.

واللهَ نسأل أن يلهمنا الرشد والصواب في القول والعمل.

———–

* رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا

[ica_orginalurl]

Similar Posts