كيف نوفق بين هذا الوازع الداخلي الذي يدعونا إلى مكارم الأخلاق ، والعقل الذي يدعونا إلى تحصيل ما ينفعنا ودرء ما يضرنا؟ إنه لا حل عند الملحد؛ إن إلحاده يوجب عليه إما أن يكون داعيا إلى نبذ الأخلاق، أو يكون داعياً إلى نبذ العقل، وكلا الطرفين في قصد الأمور ذميم…

جعفر شيخ إدريس

إن كل متأمل للمخلوقات يرى أنها ليست كوماً عشوائياً من الموجودات، بل هي مرتبة ترتيباً ومصممة تصميماً وراءه غاية تدل على أن لها صانعا عالما حكيما.

إن كل متأمل للمخلوقات يرى أنها ليست كوماً عشوائياً من الموجودات، بل هي مرتبة ترتيباً ومصممة تصميماً وراءه غاية تدل على أن لها صانعا عالما حكيما.

القيم الخلقية، قيم الصدق والأمانة والوفاء وغيرها، قيم ضرورية لوجود المجتمعات البشرية، إنها قيم لا يكون بدونها مجتمع، فبغير هذه القيم لا يكون علم حتى بأمور الدنيا، ولا يكون اقتصاد، ولا تكون علاقات اجتماعية. تصور مجتمعا لا يرى بالكذب بأساً ولا يعدُّه مذمَّة، فالناس فيه كلهم كذابون!! (وليس من شرط الكذاب ألا يصدق أبداً، بل يصدق إذا رأى الصدق له، ويكذب إذا رأى الصدق عليه)؛ هل يكون في هذا المجتمع علم؟ كلا! فإن من ضرورات العلم الصدق في الرواية، فإذا ادَّعى إنسان في هذا المجتمع أنه اكتشف –في مخبره– حقيقة ما، فإننا لن نصدقه، لأننا لا نعلم إن كان صادقا أو كاذبا، بل سنقطع بكذبه إذا وجدنا أن هذه الدعوى تخدم غرضا له. ولن تكون هنالك كتب ولا دروس ولا محاضرات، ولا مدارس ولا جامعات.

الصدق ليس فضيلة خُلُقية فحسب، بل هو ضرورة اجتماعية أيضاً، وعليه كلما كثر عدد الصادقين في المجتمع كان المجتمع أقوى تماسكًا وأدعى لأن تزدهر فيه العلوم والتقنية والاقتصاد إذا ما توفرت شروطها الأخرى. وكلما تفشى الكذب بين حكامه، وولاة أمره، وعلمائه، وتجَّاره وزرَّاعه وصنَّاعه، كان أكثر تمزقاً وأقل تطوراً في تلك الأمور كلها.

فالصادقون إذن يُسدُون إلى المجتمع خدمة هي من ضرورات وجوده، والكذابون هم معاول تقويضه. لكن مشكلة الأخلاق في حياتنا الدنيوية هذه، هي أن الصادق قد لا يجد جزاء صدقه، بل يكون صدقه سببًا في خسارة مالية، أو فقدان مكانة اجتماعية، بل قد يوقعه حتى في عقوبات جسدية.

والكاذب لا يعاقب دائماً على كذبه، بل قد يكون كذبه وسيلة إلى كسب مالي، أو نيل منصب اجتماعي، أو تفادي أذى جسدي، ولولا ذلك ما كذب إنسان. فالمشكلة إذن هي أن الذين ينفعون المجتمع قد يضارون مادياً، بينما الذين يضرونه قد ينتفعون مادياً.
فإذا لم يكن هنالك من خالق يرى ويسمع ما يفعل البشر، وإذا لم تكن هنالك من دار أخرى يثيب الله فيها المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته، وكان الكسب المادي في هذه الحياة الدنيوية هو وحده الكسب المعتبر؛ لكان الصادقون الأمناء الموفون بعهودهم هم المغفلين الذين لا عقل لهم، ولكان الكذابون الخونة هم العقلاء. لكن العقل يقول إن الأمر لا يمكن أن يكون كذلك، لا يمكن أن يكون العقلاء هم الذين يقوِّضون المجتمع، والمغفلون هم الذين يبقونه متماسكا.

تناقضات الإلحاد

 لكن ما من عاقل يمكن أن يقبل نتيجة كهذه؛ لأن فيها –من بين ما فيها– تقويضاً لأهم مبدأ تقوم عليه علومنا الكونية كلها، إن هذه العلوم كلها تقوم على افتراض المبدأ المسمَّى بتناسق الطبيعة، المبدأ الذي يقول إن قوانين الطبيعة لا تختلف، وإنه لذلك يمكن أن تدرس دراسة علمية بل رياضية؛ فكيف يكون هذا الكون في جانبه المادي عقلانياً، وفي جانبه البشري متناقضاً مع المبادئ العقلية؟!

وهناك تناقض آخر يؤدي إليه الإلحاد بالنسبة للقيم الخُلُقية؛ إن الناس مفطورون على أن هذه القيم قيم يحسن بهم أن يلتزموا بها، فهي جزء من تكوينهم العقلي، وهم يشعرون لذلك –وماداموا محتفظين بفطرتهم– بالسعادة حين يصدقون الحديث ويؤدون الأمانة ويوفون بالعهد، ويشعرون بالشقاء حين يكذبون أو يخونون وينكثون. فالملحد الذي يريد أن يتصرف وفق ما يقتضيه إلحاده؛ يمر بحالات يشعر فيها بالتمزق بين وازعه الداخلي، وتفكيره العقلاني؛ فبينما يقول له الوازع الداخلي: اصدق فهذا أريح لنفسك وأسعد لقلبك. يقول له فكره: لكنك تعتقد أنه ليس وراء الحياة من حياة، والصدق في هذه الحال يفوِّت عليك لذة عاجلة، ففيم التضحية بها وأنت لا تنتظر أخرى بعدها آجلة؟

يقول بعض من يسمع مثل هذه الحجة لكن الواقع أنه ما كل الملحدين كذابون ولا كل المؤمنين صادقون؛ فقد يصدق الملحد وقد يكذب المؤمن. وأقول أجل إن هذا ليحدث، لكن الملحد حين يصدق يتناقض مع مقتضيات مبدئه، أي إنه لا يصدق صدقاً يفوِّت عليه مصلحة إلا حين يتخلى –مؤقتاً– عن مبدئه أو عن عقله. أما المؤمن فالأمر بالنسبة له عكس ذلك تماماً، فهو حين يكذب يكون قد سلك سلوكً يتناقض مع مبدئه ومع عقله، وحين يصدق يكون موافقاً لهما ولفطرته. وعليه فإنه كلما كثر عدد الملحدين، واشتد اقترابهم من مقتضيات مذهبهم فإن الكذب عندهم سيزداد لا محالة، وكلما كثر عدد المؤمنين واشتد استمساكهم بدينهم، ازداد عدد الصادقين منهم لا محالة.

يقول بعض المتحذلقين من الفلاسفة إنه لا معنى للسلوك الخلقي إلا أن تضحي مثل هذه التضحية التي لا ترجو لها ثواباً، وأنك إذا عملت الخير رجاء الثواب كما يفعل المتدينون لا يكون سلوكك هذا سلوكاً خُلُقياً بل تجارياً. لكن هؤلاء ما علموا أن التضحية المطلقة أمر يتنافى مع العقل الذي يسير عليه الناس في حياتهم الدنيوية كلها، وإلا لو كانت مثل هذه التضحية مما يدعو إليه العقل، لكان أعقل الناس هم الذين لا يسعون لنيل لذة ولا يعملون على اتقاء أذى، فلا يأكلون ولا يشربون ولا يتقون حراً ولا برداً ولا خطراً. وإذا كان هذا غير سائغ عقلاً فلماذا يسوغ في حالة السلوك الخُلُقي؟ وما الفرق بين هذا السلوك وغيره من أنواع السلوك؟ قد يقال إن الفرق هو ما ذكرته أنت نفسك آنفاً من أن في الإنسان وازعً داخليً يدعوه إلى السلوك الخُلُقي. ونقول: هذه هي المشكلة.

كيف نوفق بين هذا الوازع الداخلي الذي يدعونا إلى مكارم الأخلاق، والعقل الذي يدعونا إلى تحصيل ما ينفعنا ودرء ما يضرنا؟ إنه لا حل عند الملحد؛ إن إلحاده يوجب عليه إما أن يكون داعيا إلى نبذ الأخلاق، أو يكون داعياً إلى نبذ العقل، وكلا الطرفين في قصد الأمور ذميم.

فطرة الأخلاق السوية

كيف يحل الدين هذا الإشكال؟ يقول الدين الحق: نعم إن الأخلاق من الخير الذي فطر الله عليه عباده، ولكن هذه الأخلاق نفسها تقتضي أن يثاب المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته. ولكن هذا لا يأتي في دار الدنيا هذه كما هو مشاهد، ولا يمكن إذن أن يأتي إلا في حياة أخرى بعد هذه الحياة، ولا يأتي في تلك الحياة الثانية إلا إذا كان هنالك إله عليم عادل حكيم، يعلم ما يعمل الناس الآن ليجازيهم عليه.

فالمؤمن يعمل الخير لأن الله فطره على حبه، ويفعله لأن الله يثيبه على فعله، ولا تناقض بين الأمرين لأن إثابة المحسن هي نفسها مبدأ خلقي.

ذكر –تعالى– ما أعده لعباده الصالحين، فقال: “وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ{46} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{47} ذَوَاتَا أَفْنَانٍ{48} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{49} فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ{50} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{51} فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ{52} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{53} مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ{54} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{55} فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{56} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{57} كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ{58} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{59}” (الرحمن:49-59).ثم ختم هذا بقوله :”هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” (الرحمن:60)

والسؤال سؤال استنكاري، فكأن الآية تقول: إن هذا هو الأمر الذي تدلكم عقولكم على أنه ينبغي أن يكون؛ فكيف تتوقعون غيره؟
والحكيم لا يفعل شيئاً عبثاً. لكن عدم وجود دار آخرة يلقى فيها المحسن ثواب إحسانه والمسيء عقاب إساءته هو مما يتناقض مع تلك الحكمة وهذا الإحكام. لم أرى أحداً ممن قرأت له يربط هذا الربط بين هذين الدليلين، لكنني أحسب أن المناسبة بينهما مما لا يخطئه الناظر المتمعن، ولا سيما الناظر في القرآن الكريم. في هذا الكتاب العزيز عدة آيات تدعو إلى التفكر في الكون لمعرفة أن له خالقاً حكيماً ينبغي أن يعبد غيره مما لا يخلق، ولمعرفة أنه لم يخلق عبثاً ولا لعباً ولا باطلاً وإنما خلق بالحق، أي من أجل غاية.

وقد وجدت في أكثرها –فيها أو في سياقها– ربطاً بين نفي البطلان واللعب والعبث عن خلق الكون، وبين أنه لا بد أن تكون هناك دارا آخرة، أي أنه لو لم تكن آخرة لكان خلق هذا الكون كله عبثاً وباطلاً ولعباً ولم يكن حقاً؛ ولأن هذا يتنافى مع الإحكام الذي فيه ومع ما يدل عليه هذا الإحكام من كونه مخلوقاً لخالق حكيم. إن الخالق الحكيم لا يخلق خلقاً فيأمرهم وينهاهم ثم يجعل مصير الذين استجابوا لرسله فعملوا صالحاً كمصير الذين تمردوا عليهم وخاضوا في كل فعل قبيح؛ فالآخرة إذن ضرورة خُلُقية. تأمل هذه الآيات .. وانظر كيف جعلت الإحكام في خلق الله دليلاً على ضرورة وجود الآخرة، قال تعالى: “أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{21} وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{22}” (الجاثية:22،21)

فتأمل كيف ربطت الآية بين خلق السموات والأرض بالحق، وبين عدم الظلم، وتأمل كيف ربطت الآية التالية بين عدم خلقها باطلاً –أي عبثاً– وبين مساواة المحسنين بالمسيئين:”وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ{27} أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ{28} كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{29} وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ{30}” (ص:27-30)

نعم إن أولي الألباب، أولئك الذين يتفكرون في الأمور ويستدلون بها الاستدلالات الصحيحة، لا أولائك الذين يدَّعون العقلانية، وهم من أبعد الناس عن الالتزام بمقتضيات العقول، هم الذين يتدبرون في كون الله المخلوق وفي كتابه المقروء، وفي آيات الله الكونية، وآياته الكلامية؛ فيصلون بفكرهم المستقيم إلى الحق ويلتزمون بمقتضياته.

من المخاطب؟

قد يقال إن هذه الحجة إنما تصلح لإنسان لا يؤمن بالخالق وينكر وجود الدار الآخرة، لكننا هنا بصدد إنسان ملحد ينكر وجود الخالق. وأقول إن الآية فيها الأمران كلاهما.

فهي من ناحية تخاطبُ من يقر بوجود الخالق وينكر البعث، ولكنها من ناحية أخرى تدل على أن إحكام الخلق وما فيه من تناسق وعناية -من بينها وجود قيم خُلُقية لا تصلح مجتمعات الناس إلا بها– يتنافى مع عدم وجود دار آخرة. ولكن إذا كانت هنالك دار آخرة ولم يكن هنالك إله شهيد على الناس في هذه الحياة الدنيا، كي يجازيهم عليها في تلك الدار؛ لم يكن لها من فائدة بل صار الأمر فيها كالأمر في هذه الحياة الدنيا.

قلت إن الآخرة ضرورة خُلُقية، ولو شئت لقلت ضرورة عقلية؛ لأن المبادئ الخُلُقية، هي من بين الموازين التي فطر الله عليها العقول لقياس الأمور وتقويمها، فالذي يتنافى مع الأخلاق يتنافى مع هذا العقل الفطري. وإذا قرر الله –تعالى– أمراً في صيغة سؤال استنكاري؛ فإنه يدل على أن الأمر معروف ما ينبغي أن ينكر أو يخالف، ومما يدخل في هذا ما كان معروفاً بهذا العقل الفطري.

تأمل هذه الآيات .. كيف تستنكر أن يكون مصير المحسنين كمصير المسيئين سواء بسواء لأن هذا مما يتنافى مع تلك المبادئ الخُلُقية العقلية الفطرية؛ وعليه فلا بد من دار آخرة يستقيم فيها هذا الأمر:”كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{33}إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ{34} أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{36}” (القلم:33: 36)

لكن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالقيم الخُلُقية؛ إنه لا مكان في الفيزياء –ولا في غيرها من العلوم الطبيعية– للقيم الخٌلٌقية، أو الجمالية أو غيرها من القيم؛ ذلك لأن مجال هذه العلوم إنما هو الكائنات الطبيعية، لكن الناس لا يكفيهم في حياتهم علمهم بالطبيعة مهما ازداد وعظم؛ إنهم يحتاجون مع هذا إلى قيم يهتدون بها في معاملاتهم، فإذا حلَّت العلوم الطبيعية محل الدين –كما يريد لها الملحدين في عصرنا– وإذا حُصر الحق فيما يأتي عن طريق هذه العلوم؛ فأنى يجد الناس تلك الهداية التي هي من ضرورات حياتهم؟ إن كثيرً من ملاحدة العلماء الطبيعيين يعترفون بهذه المشكلة لكنهم لا يحيرون لها جوابً.

ينقل (تيلر) عن عالم الأحياء البريطاني (ميداور) وهو ملحد مثله قوله:”إن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالبدايات والنهايات أمر خارج –منطقيا– عن مقدرة العلم الطبيعي””(1).

لكنه يعلق على هذا بقوله: “إن هذا مسلك يصعب قبوله، فما زالت هنالك فجوه في حياة أناس كثيرين بسبب انعدام الغاية هذه. لقد كتب العالم النفسان (كارل يونج): “إنه لم يكن من بين مرضاي الذين هم في النصف الثاني من عمرهم (بعد سن 35 سنة) أحد لم تكن مشكلته في النهاية هي الظفر بنظرة دينية إلى الحياة (2).

ثم ينقل عن صحفي معاصر –يقول عنه: إنه ابن لأحد الفيزيائيين– قوله: إن العلم الطبيعي ليس سلعة محايدة أو بريئة يمكن أن يستخدمها للاستفادة منها قوم لا يريدون إلا أن يكون لهم نصيب من قوة الغرب المادية… إنه مدمر روحياً، مودٍ بكل المرجعيات والتقاليد القديمة… وبعد أن يودي بكل منافسيه يبقى السؤال: أي نوع من الحياة تلك التي يقدمها العلم الطبيعي لأهله؟ … ماذا يقول لنا عن أنفسنا وكيف نحيا؟ “(3).

ثم يقول: “ليس هنالك من جواب جاهز على هذا السؤال”(4).

الهوامش:
(1)  عندما دقت الساعة صفرً، جون تيلر، ص5.

(2)  المصدر السابق والصفحة.

(3) المصدر السابق والصفحة.

(4) المصدر السابق والصفحة.

____________________________

المصدر: كتاب “الفيزياء ووجود الخالق” للكاتب

[ica_orginalurl]

Similar Posts