د. صالح بن عبد الله بن حميد

 إن ذا الاطلاع الواسع والعلم الغزير إن لم يراجع نفسه حينا بعد حين ويفكر طويلا فيما يعتزم قوله ويزوق في 904f2330-68b4-4a05-aaa7-f8a482573bb3نفسه أو قرطاسه من الألفاظ والعبارات المناسبة، فلسوف يهتز موقفه ويضعف أسلوبه ويتراخى أداؤه، ويتناقص عطاؤه، وينحدر في منجرف الابتذال السحيق وتكون معالجاته سطحية تفقد تأثيرها وتخسر جمهورها.

عناصر البناء

من المعلوم مما سبق ويتأكد فيما سيأتي أن الخطبة وسائر الأعمال العلمية والأدبية تحتاج إلى أسس ثلاثة:

قلب مفكر، وبيان مصور، ولسان معبر.

فالأول يكون به إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده، وبالثاني تنسيقه وترتيبه ورصه، وبالثالث عرضه والتعبير به.

وهذا بسط لهذه العناصر.

الإيجاد والابتكار (القلب المفكر)

وقد يعبر عنه بالاختيار (اختيار الموضوع).

من المعلوم أن بواعث الاختيار متعددة، والخطيب كلما كان صادقا في قصده، مهتما بجمهوره وسامعيه، جادا في طرحه محترما لنفسه؛ فسوف يحسن الاختيار، ويقدح زناد فكره بجدية نحو الابتكار وحسن الاختيار، يضاف إلى ذلك الظروف المحيطة، والأحوال المستجدة، والأغراض الباعثة التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع والتعليق على بعض الأحداث والتفسير لبعض المواقف وتصحيح بعض المفاهيم، ونظر الخطيب الحصيف يدله على تقديم بعض وتأخير بعض وحسن التفسير ونوع التعليق.

التنسيق والترتيب (البيان المصور)

لا يخفى أن طريق البيان المصور هو الأسلوب.

للأسلوب سلطان لا يضعفه العقل وأثر لا يمحوه الدليل، الأسلوب ألفاظ وجمل ينطق بها المتكلم ويتحدث بها الخطيب لا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعين وتمتد الأعناق له احتراما، ألفاظ وجمل تثير في النفوس صورا لا حد لها ولا انحصار، محفوفة بالإكبار والتقدير، إذا كان هذا هو بعض أثر الأسلوب وتأثيره.. فكيف يكون الشأن في المعنى المحكم وقد كُسي بلفظ جميل وألقي بلفظ منسجم وعبارات تثير في النفس أخيلة وأمانيَ؟

وينبغي أن يلحظ أن ثمت فرقا بين أسلوب الخطابة وغيرها من ألوان الكتابة والآداب، فالمستمع يتوجه نحو الخطيب بسمعه وذوقه وفكره؛ فللكلمات أثر على السمع، وللجرس في النفس وقع، وللعقل فيه إدراك.

ومن أجل هذا ينبغي أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها فلا تتقارب مخارجها ولا تتباعد، كما ينبغي أن تكون ذات جرس خاص يهز النفس ويثير الشعور، وتكون الجمل ذات مقاطع قصيرة كل جملة كاملة في معناها.

إن من أهم خصائص الأسلوب الخطابي عنصر الشعور والوجدان والإثارة والتشويق، وإذا فقد ذلك فقد أكبر خصائصه.

أسلوب التكرار والتفنن في التعبير عنصر في الخطابة هام؛ فالخطيب محتاج إلى تكرار فكرته ومغايرة تصويره، فمرة بالتقرير ومرة بالاستفهام وأخرى بالاستنكار ورابعة بالتهكم.

أما فن الإيجاز والإطناب فيختلف من حال إلى حال، فيراعي حال السامعين في إقبالهم ومللهم ونوع الموضوع وظروف الإلقاء وردود الفعل عند السامعين.

أما ألفاظ الخطبة وعباراتها فينبغي أن تتسم بالوضوح والبيان لتكون سهلة الإدراك من السامعين سريعة الإيصال إلى المقصود بعيدة عن الوحشي والتكلف.

وفي ذات الوقت تبقى محترمة غير مبتذلة تحفظ للخطيب وخطبته الهيبة والوقار وللموقف مكانته وجلاله.

فهي ألفاظ منتقاة في غير إغراب في أسلوب سهل ممتنع يفهمه الدهماء ولا يجفو عنه الأكفاء.

ومن الحذق في المعرفة أن يدرك الخطيب أن خطاب الحماس غير خطاب التألم، وحديث الترغيب غير حديث الترهيب، وأسلوب تعداد المفاخر وزرع الثقة غير أسلوب التواضع وذم الكبر والمتكبرين، والخطيب المتمرس هو الذي يضع كل نوع في موضعه ويختار لكل كلمة قالبها وميدانها.

أما السجع فيجمل منه ما ليس بمتكلف قصير الفقرات، سهل المأخذ يخف على السمع، ويحرك المشاعر بحسن جرسه، ويكون خفيفا سهلا إذا سلم من الغثاثة وجانب الركاكة، اللفظ فيه تابع للمعنى وليس المعنى تابعا للفظ؛ ذلك أن السجع حلية والحلية لا تحقق غرضها في الجمال ما لم تكن قليلة غير متكلفة حسنة التوزيع تبرز المحاسن ولا تغطيها.

ويرتبط بالسجع رعاية المقاطع والفواصل؛ فتكون جملا قصيرة نظرا للفائدة عند الوقوف في آخرها، والجملة إذا طالت وتأخرت إفادتها للسامع أدركه الثقل والملل، وضاعت عليه الفائدة وحسن المتابعة.

اللسان المعبر

ويقصد به الإلقاء وحسن الإجادة فيه، وقبل أن نبسط القول فيه يحسن التطرق لحديث مقارنة بين الارتجال والكتابة.

بين الارتجال والكتابة

كثير من الكاتبين والناقدين يستحسنون في الخطيب أن يلقي خطبه ارتجالا، فهذا عندهم أعظم أثرا وأكثر انفعالا وأقدر على إعطاء الموقف متطلباته من خفض ورفع وتهدئة وزجر، وقد يدون المرتجل عناصر مقولته في كلمات أو جمل يعاود النظر إليها بين فينة وفينة.

وقد يوجد في الخطباء من يعد الخطبة ويحسن تحبيرها ثم يحفظها حفظا عن ظهر قلب.

والارتجال بأنواعه وطرقه لا يكون مؤثرا ما لم يسبقه إعداد محكم وحبك للعناصر في النفس على نحو ما سبق في الكلام على الأسلوب.

وثمت فئة من الناس تكتب الخطبة وتلقيها من القرطاس وهو مسلك مقبول، ولكن ذلك لا يؤتي ثمرته ولا يحقق غايته، ما لم يكن الخطيب أحسن الإعداد وتأمل فيما كتب وأعاد النظر فيه تأملا وقراءة وإصلاحا وتخيرا للألفاظ وانتقاء للعبارات، بحيث يكون في إلقائه متفاعلا مع ما يقول مستوعبا لما يلقي ليحرك المشاعر ويثير العواطف ويستحسن أن يكون في قراءاته وإلقائه مشرفا على السامعين بنظره بين فترة وأخرى ليعرف حالهم ويسبر مشاعرهم وانفعالاتهم.

الإلقاء

هو الغاية التي ينتهي إليها الإعداد والبناء، وهو الصورة التي يتلقى بها السامع حصيلة ما جاد به خطيبه، فلا يبقى للخطبة أثرها ولا لحسن الأسلوب وقعه ولا لجودة التحضير ثمرته ما لم يصب في قالب من الإلقاء يحفظ الجهد ويبقي المهابة ويشنف الأسماع، ومن أجل تحقيق ذلك يحسن مراعاة ما يلي:

جودة النطق:

فيخرج الحروف مخارجها من غير تشدق أو تكلف فيلقيها حسنة صحيحة واضحة في يسر وترفق وتدفق.

مجانبة اللحن:

ينبغي للخطيب أن يعتني عناية تامة باللغة العربية صرفا ونحوا فينطق لغة عربية صحيحة فصيحة، فاللحن يفسد المعنى ويقلب المقصود.

وإذا فسد المعنى أو التبس ذهب رونق الخطبة وبهاؤها وحسن وقعها، إضافة إلى فساد المعنى من حيت يدري أو لا يدري.

التمهل في الإلقاء:

النطق السريع المتعجل يفقد المتابعة كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات، وقد يؤدي به التعجل إلى إهمال الوقوف عند المقاطع ورعاية الفواصل.

ومن جهة أخرى فإن التمهل والترسل في الأداء من أول الدلائل على رباطة الجأش فيجمع للخطب الهدوء في الكلام، والأناة في النطق، والجزالة في الصوت.

وهذا التمهل الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقود إلى هدوء بارد وتثاقل مميت، ولكنه تمهل لا يعارض ما يطلب من الخطيب من خفض ورفع وعلو نبرات مما يبعث على الحياة وحسن المتابعة ودفع السآمة.

الحركات والإشارات:

للإشارات والحركات أثرها أثناء الحدث والخطابة، ومن هذه الحركات ما هو لا إرادي فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه، وذو الحماس تنتفخ أوداجه وتحمر عيناه، ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط، ومنهم من يبكي خشوعا ورقة ويعلو صوته حماسا وتفاعلا.

وبعضها إرادي من إشارات توجيهية يحتاج إليها في تنبيه لبعيد أو قريب، إشارات تعكس الانفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة والتوضيح.

وينبغي أن تكون إشارات منضبطة بقدر معقول وانفعال غير متكلف ومتساوقة مع الشعور الحقيقي.

طريقة البناء

تبنى الخطبة عادة من ثلاثة أجزاء: المقدمة والموضوع والخاتمة. وهى عناصر لا يصرح بها أثناء الكتابة أو الإلقاء، كما أنها عناصر متداخلة متناسقة، يبلغ الترابط بينها جودته حسب مقدرة الخطيب وغزارة علمه وخبرته فتنتظم أجزاء الخطبة ويحكم تركيبها.

وهذا الانتظام والإحكام يجعل المعاني واضحة والمقاصد ظاهرة، ويضمن للمتحدث حسن الإصغاء من سامعيه وكمال الانتباه من جالسيه.

وقد لا يلزم مراعاة هذه الأجزاء في كل خطبة لكن خطبة الجمعة غالبا ما تحتاج إليها نظرا لأنها خطبة طويلة غير قصيرة.

المقدمة:

ينبغي أن يهتم الخطيب بمقدمته وافتتاحيته، فيأتي بعبارات الاستهلال التي توحي للسامع بمقصود الخطبة، مما يشد الانتباه ويهيئ النفوس، وقد يكون ذلك بآيات قرآنية زاجرة أو مرغبة أو بعض الحكم البليغة، والافتتاحية هي أول ما يلقيه الخطيب على جمهوره، فإذا ما فاجأهم بحسن التقديم استطاع متابعة بقية خطبته بانطلاق ونشوة وعاش مع جمالها اللفظي وسبكها الفني ومعناها الدقيق.

وإن الناظر في افتتاحيات أوائل السور في القرآن الكريم يدرك ما تثيره في النفس من الإجلال والشوق والرغبة في المتابعة، فترى الافتتاح حينا بالثناء على الله عز وجل تسبيحه وتنزيهه، وحينا بالنداء أو الاستفهام أو القسم مما يولد الرغبة في المتابعة ويولد اللهفة في الاستكشاف لدى كل ذي ذوق رفيع وحس مرهف.

والمقصود أن يكون في صدر الكلام ما يدل على غاية المتحدث، على أن من المعلوم أن خطبة الجمعة تفتتح بحمد الله والثناء عليه والشهادتين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون في هذه الألفاظ من حسن الانتقاء ما يدل على موضوع الخطبة ومقصودها.

ومعروف عند المتقدمين من السلف -رحمهم الله- أن ما لا يبتدأ بالحمد فهو الأجذم الأبتر، وما لم يزين بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المشوه.

الموضوع:

وهو مقصود الخطبة الأعظم، وقد أشرنا في الكلام على أنواع الخطب إلى معظم مقاصد خطبة الجمعة.

وقد يكون من المناسب التصريح به في مبتدأ الخطبة كأن يقول: أريد أن أحدثكم عن كذا.. إذا كان من قضايا الساعة التي يخوض فيها المجتمع ويتطلع إلى كلام شاف فيها.

وقد لا يحسن التصريح به، إما لأنه شائك أو يوجب انقسام الناس، وفي هذه الحالة ينبغي أن يدخل إليه الخطيب دخولا متدرجا، ويتناوله تناولا غير مباشر، ليأخذ السامعين بتسلسل منطقي فيصل إلى مبتغاه باعتدال وتوازن متحاشيا الإثارة والانقسام، ومن ثم يبلغ الخطيب غايته من تهيئة النفوس إن كانت عنه معرضة وإليه غير مقبلة أو كان حديثا في غير ما تألفه نفوسها.

وموضوع الخطبة عادة ما يبتنى على ركنين أساسيين هما التعريف والإيضاح والاستدلال.

التعريف والإيضاح:

أما التعريف والإيضاح: فلا يقصد به ما يعتني به الباحثون المختصون من اللغة والاصطلاح، ولكنه يكون بذكر الصفات والخواص والمزايا لذات الموضوع وقد يكون الاستعارات والتشبيهات وضرب الأمثال والإجمال ثم التفصيل وبالصلة والتضاد والتقابل. وانظر إلى هذا التعريف من علي رضي الله عنه للمتقين من خلال أوصافهم ونعوتهم فهو يقول: ” المتقون هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عن الحرام، ووقفوا أسماعهم على النافع من العلم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء، ولولا الأجل الذي كتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب “.

الاستدلال:

أما الاستدلال.. فغالبا يحتاج الموضوع إلى ما يدعمه بالأدلة والحجج والبراهين والشواهد وهي عادة ما تكون من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وإيراد بعض الوقائع والأحداث من باب القياس والاعتبار بل إن زيادة الإيضاح والبسط والبيان نوع من التدليل وكسب إقناع المستمعين بصدقها أو أهميتها أو خطورتها، ومما يدخل في هذا الباب دخولا أوليا ربط الحاضر بالماضي وبخاصة تاريخ السلف الماضين، فإن من النفوس من تحفظ تقديرا وإكبارا لسلفها المجيد، وأصحابه الأماجد، ولأمر ما قال الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} (سورة الزخرف آية: 22)، وقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} (سورة البقرة آية: 170).

ويفيد في هذا الباب النقل عن مشاهير الأئمة وحكمائها ممن عرفوا بالصلاح والإمامة والمروءة والزهد والشجاعة والورع حسبما يقتضي المقام ويناسب المقال.

الخاتمة:

بعد أن يفرغ الخطيب من عرض موضوعه، وسوق أدلته، وضرب أمثلته وبيان دروسه، وعبره، وترغيبه وترهيبه، يحسن أن ينهي خطبته بخاتمة مناسبة تجمع أفكاره، وتلخص موضوعه، بعبارات مغايرة، وطريقة مختصرة؛ لأن الإطالة في هذه الحالة تجلب الملل وتشتت الفكر. ولا ينبغي أن تحتوي على أفكار جديدة وأدلة جديدة؛ لأنها حينئذ لا تكون خاتمة وإنما جزء من الخطبة وامتداد لها.

وتكون الخاتمة قوية في تعبيرها وتأثيرها؛ لأنها آخر ما يطرق سمع السامع ويبقى في ذهنه، وإذا كانت ضعيفة في تركيبها فاترة في إلقائها، ذهبت فائدة الخطبة، ذلك أن من نجاح الخطيب أن يلقي خاتمته بثقة وطريقة مؤثرة ومقنعة، وكأنه يشعر جمهوره بأنه قد انتهى إلى رأي ومسألة لا تقبل الجدل ولا تحتمل النظر.

وقد تكون الخاتمة آيات قرآنية لم يسقها من قبل تجمع موضوعه في الترغيب أو الترهيب أو التدليل والإثبات، وقد تكون حديثا نبويا يفيد ما تفيده الآيات القرآنية.

وقد يكون إعادة لعناصر الخطبة بأسلوب مغاير -كما أسلفت- وبطريقة جامعة واضحة ذات تأثير قوي.

هذا ما يتعلق في بناء الخطبة وثمت مسائل لا يسع الكاتب إغفالها من أجل استكمال التصور الشامل عن الخطبة وحسن إعدادها وهي مسائل ثلاث: وحدة الموضوع، الجدة والتغيير، طول الخطبة.

وحدة الموضوع:

ينبغي الاقتصار على موضوع واحد تستوفي عناصره، وتحبر كلماته وتعمق معالجته؛ لأن تشعب المواضيع وتعدد القضايا في المقام الواحد يشتت الأذهان، وينسي بعضها بعضا، ويقود إلى الإطالة المملة والصورة الباهتة وسطحية المعالجة.

الجدة والتغيير:

ويعني ذلك ألا يلتزم الخطيب طريقا واحدة أو وتيرة واحدة في أسلوبه وطريقة إلقائه، بل يكون استفهاميا تارة، وتقريريا أخرى، وضربا للأمثال، وتلمسا للحكم والأسرار، مع ما يطلب من معايشه الأحداث، ومتابعة المتغيرات، وتلمس حاجات الناس وتوجيههم وتبصيرهم تمشيا مع أثر هذه المتغيرات عليهم.

على أن الخطب المنبرية بطبيعتها قد تستدعي تكرارا لبعض مواضيعها إن لم يكن كثيرا منها ؛ لأن من أعظم أغراضها ومقاصدها الدعوة والتذكير. والتذكير في حقيقته يعني الحديث عن شيء سبق علم السامع به فهو تنبيه لغافل، وحث لمقصر، مما تستدعي التجديد في الطرق والأسلوب والمعالجة، كالتوحيد والعبادة والصلاة والصوم والزكاة وبر الوالدين والمحرمات من الربا والزنا والخمر والزور وأكل أموال الناس بالباطل وأمثالها مما يجب مراعاة التجديد في طرقها والتغيير في عرضها.

طول الخطبة:

من المعلوم أن معالجات المواضيع تختلف باختلاف محتواها وظروفها وسامعيها، ففي بعض الظروف يحسن البسط والإطناب، ويكون السامعون مستعدين لاستماع، كما هو مشاهد في ظروف الأزمات والأوضاع ذات النقاشات الحادة والأحوال المتوترة، كما أن بعض الخطباء عنده من الجاذبية وحسن العرض والإلقاء ولطف التودد والأخذ بالألباب ومجامع العقول ما يجعلهم يطلبون المكوث حول خطيبهم ويقبلون منه الإطالة، إن هذه ظروف وأوضاع لا تنكر ولكن الحال الأغلب والواقع الأعم أن النفوس لها حد تحسن فيه الاستماع وتدرك فيه المعاني، بعده تتشبع وتقف ويصبح الكلام عندها مملولا، والكلام ثقيلا، وينسي بعضه بعضا، فالوصية العامة للخطباء أن يجتنبوا الإطالة ويجنحوا إلى الاعتدال وتغليب جانب الاختصار على الإطناب في أعم الأحوال، وقد قال عليه الصلاة السلام: ” إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه” (مسلم الجمعة: 869، أحمد: 4/263، الدارمي الصلاة: 1556).

ويحسن من الخطيب أن يعود سامعيه على زمن معتدل ثابت يلتزمه فإنهم إذا خبروه بانضباطه ودقة التزامه أحبوه ولازموا حضوره.

ومن الخير للخطيب وجمهوره أن ينفضوا وهم متعلقون بخطيبهم من غير ملل أو سآمة.

المصدر: موقع الإسلام.

[ica_orginalurl]

Similar Posts