خالد رُوشه

كل ابن آدم خطاء، فالخطأ ملتحق بنا جميعا، والتقصير في جنب الله وارد منا جميعا، المعصية واردة، والذنب قابع في الطريق، لا يمكن لأحد أن

توبة العصاة

عاص نادم من ذنبه

يدعي العصمة إلا من عصمهم الله سبحانه وتعالى فكانوا هداة البشرية.

ومجتمعاتنا الحالية كثر فيها الجهل وغاب عنها العلم واغتربت فيها الفضائل، فسقط الناس في حمأة مظلمة من الجهل بدينها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم فكثرت فيها الذنوب واحتل فيها العصاة مقامات وجمعوا الأموال وتقلدوا المناصب وصارت الدعوات إلى الطاعات دعوات قليلة

وفي ظل غياب العلم يسقط الناس في الذنب عن غير عمد تارة، وعن سوء فهم تارة، وعن هوى نفس تارة، وعن سوء توجيه تارة، وعن غفلة تارة أخرى، ومنهم ولاشك من يختار الذنب ويتمرغ فيه.

ومع ضعف دور العلماء والدعاة في مجتمعاتنا غابت المرجعية المجتمعية الداعية إلى الاستقامة وصار مقياس الفضيلة قيما نظرية مستوردة تعتمد على مصالح ذاتية أو حزبية

وقد ينعم الله سبحانه على أحدنا بعلم أو معرفة أو التزام بسلوك إيماني، وقد يتبع ذلك طول مكوث في حلقات علم أو في المساجد وطول صحبة مع أهل خير وأصحاب خلق وكل ذلك فاضل كريم مرغوب فيه، غير أنه ربما ينتج عنه عند البعض تكوين جدار فاصل نفسي وسلوكي بين ذلك الشخص وأهل المعصية ممن حوله من مجتمعه الذين غالبيتهم ذووا قلوب طيبة ونفوس طاهرة وأيدٍ نظيفة غير أنهم لم يتلقوا اهتماما وتربية إسلامية كما ينبغي.

يتكون ذاك الجدار بينه وبينهم فيزدريهم ويقلل منهم وينطوي عنهم، ويبتعد عن صحبتهم بحجة أو بأخرى، وقد يزداد ذلك الشعور إلى اتهامهم بالنقائص كلها مما يكون بذرة بدائية لنبتة سوء من وسم المجتمع بسمات الجاهلية أو وصف الناس بالتكفير.

أو قد يسقط أحدهم في الفكرة الخاطئة القائلة بأن مجتمعاتنا المسلمة هي مجتمعات جاهلية، فيبيح لنفسه استباحة حرماتها بتلك الدعوى المبنية على الجهل والظلم للناس.

الحق أن الأصل في كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله أنه مسلم له حق الإسلام وله أخوة الإسلام حتى وإن جاء بالمعاصي صغيرة كانت أو كبيرة، كما أن الحق أن مجتمعاتنا هي مجتمعات مسلمة لها حق الإسلام.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “فإن أهل السنة لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بكل ذنب, إلا ذنبًا يزول به أصل الإيمان، قال شيخ الإسلام: “وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج, بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي.. ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية ولا يخلدونه في النار…”. ثم قال: “ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته”.

فالإيمان عند أهل السنة والجماعة لا يزول إلا بزوال أصله, وأما زوال فرعه بارتكاب المحذورات وترك الواجبات فيُنْقص الإيمان ويضعفه ولكنه لا يزيله ولا يذهبه بالكلية.

فأهل السنة والجماعة لا يكفرون المسلم بالمعاصي والكبائر, بل الأخوة بين المؤمنين ثابتة ولو مع المعصية، وعلى هذا فلو مررت بصاحب كبيرة فإني أسلم عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من حقوق المسلم على المسلم: “إذا لقيته فسلم عليه” مسلم, وهذا الرجل ما زال مسلمًا فأسلم عليه (شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين).

وإنما دور الدعاة إلى الله ودور الملتزمين بسنة رسول الله أن يوصلوا العلم والخير لهؤلاء العصاة بكل خلق حسن، وبكل سلوك فاضل على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة القرآن الكريم {.قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108).

نعم يحرص كل صالح أن يلتزم بصحبة صالحة من أهل الخير، ونعم يميل كل قلب تقي إلى الطاعة ويبغض المعصية، ونعم يحب المؤمنون الناس بقدر طاعاتهم، ولكن مع ذلك كله فإن هناك دورا كبيرا ملقى على عاتق الصالحين المصلحين في دعوة أهل الغفلة والمعصية وردهم إلى دينهم ردا جميلا، والسبيل إلى ذلك هو الكلمة الطيبة مع المشاعر الطيبة والأخلاق الطيبة.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعامل مع العصاة معاملة متميزة للغاية، ففي الحديث أن شابا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له يا رسول الله رخص لي في الزنا، فما غضب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وما ضربه وما سبه وما عنفه ولكنه صلى الله عليه وسلم حادث قلبه وعقله، فقال له متسائلا : أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟… إلخ، والشاب يقول لا، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك الناس لا يرضونه.

ثم إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يعامله معاملة الداعية المحب فيضع يده على صدره ويدعو له أن يطهر الله قلبه، فيخرج الشاب من عنده قائلا: “جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما من شيء أحب إلى من الزنا، فخرجت من عنده وما من شيء أبغض إلي من الزنا”.

هذا إذن نموذج عملي تطبيقي للدعاة إلى الله في معاملة العصاة برفق، وحرص، وخلق، قال الله سبحانه في وصف نبيه {.لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128).

——-

المصدر: موقع المسلم.

[ica_orginalurl]

Similar Posts