ما أن يُذكر لفظ ميراث المرأة حتى تقفز إلى العقول آية “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ…“(النساء:11).. والحقيقة أن أنصبة المرأة في الميراث متنوعة و متعددة!

إعداد/ فريق التحرير

ميراث المرأة

ميراث المرأة.. قضية حائرة بين عدالة التشريع وإساءة فهم النصوص.

تحتل الشبهات المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع المسلم، وما خصها به التشريع الإسلامي من أحكام مكانة بارزة في عريضة شبهات الملحدين والمتشككين، وبالرغم من التباس المفاهيم الحقيقي لدى البعض إلا أن إزالة ذلك الالتباس ومعالجة سوء الفهم يسير إذا خلصت النوايا في البحث  الصادق عن الحقيقة، وعدم وجود نية مسبقة في التربص بالدين ووصمه بهدر حقوق المرأة والتقليل من قدرها والحط من مكانتها.

ولعل من أشهر تلك الشبهات:

كيف ترث المرأة نصف الرجل، وهي كائن مسؤول لا يقل أهلية عن الرجل؟

وقبل البحث عن ما قيل من توضيحات بخصوص الشبهة نفسها نقدم نبذة عن الحكمة من مشروعية الميراث…

“من المعلوم أن الإسلام جاء يرسم للبشرية منهج حياة فيه رشدها وصلاحها، والناظر المدقق في أحكام الإسلام وتشريعاته يجدها في حالة من الدقة والتوازن، وعدم التناقض، والحكمة، وتحقيق العدالة والشمول والواقعية، مما يجعل الإنسان يقطع بأن هذه الأحكام ليست من عند أحد من البشر؛ لأن ما يضعه البشر يتطرق إليه الخلل والتناقض، فيحتاج دوماً للتعديل وإعادة النظر فيه، والتاريخ الإنساني يشهد بهذا الأمر.

ولما كان الأمر كذلك من أهمية هذا العلم؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد تولى بيانه بنفسه، فجاءت معظم أحكامه الأساسية في سورة النساء، وهذا التفصيل على خلاف المعهود من المنهج القرآني الذي يتناول الأحكام كثيراً بالإجمال ويترك للسنة البيان والتفصيل، كل ذلك مشعر بمدى اهتمام التشريع الإسلامي بأحكام المواريث… التي ما شرعها الخالق عز وجل إلا لمصالح مجتمعية نذكر منها…

  • موافقة أحكام الميراث ومسايرتها للفطرة البشرية:

فالشريعة الإسلامية في أحكامها تساير فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، قال تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون” (الروم: 30). فالإنسان يحب المال، ويحب جمعه، ويحب أن ينتقل إلى فرعه، وهذا الحب هو الذي يولد الدافع لدى الإنسان للعمل، والكدح و إعمار الأرض، ولولا ضمان التشريع لانتقال ما يجمع المرء من مال عبر جهده المتواصل في الحياة إلى ورثته من بعده لولا ذلك لتقاعس الكثير من الناس عن المضي في إعمار الحياة والكدح فيها.

  • الميراث يمنع من تكديس المال في أيدٍ قليلة:

إننا نقول لهذا المعترض: إن الإسلام لم يهمل هذه المسألة، بل تنبه لها قبل أي أحد من الناس، ولهذا فإنه أوجد نظام التوريث للمال وبحصص محددة لكل واحد من الورثة، وبذلك فهو يمنع من تكديس الأموال في أيدٍ قليلة، ويمنع من ظهور مفاسد نظام الطبقات.

  • الموازنة بين قوة القرابة والحاجة للمال:

فقد راعت الشريعة في تقسيم الميراث القرابة؛ فأقرباء الميت هم أولى الناس به وبميراثه.”[1]

  • تكريم الإسلام للمرأة!

وهذه النقطة لا تندرج تحت باب الشعارات.. بل هي حقيقة مؤكدة؛ فالمرأة قبل الإسلام لم يكن لها حقوقا مادية مقررة، فعرب الجاهلية كانوا يمنعون توريث الصبية والنساء، وكانت معايير الميراث تعتمد على الرجولة والقوة والقدرة على حماية القبيلة، حتى جاء الإسلام وجعل للمرأة نصيبا مفروضا من الميراث لا يمكن بحال حرمانها منه تحت أي ذريعة إلا بمخالفة صريحة لشرع الله عز وجل.

أنصبة ميراث المرأة

نعم هي أنصبة مختلفة، وليست نصابا واحدا كما هو متعارف عليه بين العامة؛ فما أن يُذكر لفظ ميراث المرأة حتى تقفز إلى العقول آية “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ…“(النساء:11).. و الحقيقة أن أنصبة المرأة في الميراث متنوعة و متعددة.. وهي كما يلي:

أ- أربع حالات فقط ترث فيها الأنثى نصف ميراث الذكر.

ب- هناك أحد عشر حالة ترث فيها الأنثى مثل الذكر تماما.

ج- سبع حالات ترث فيها الأنثى أكثر من الذكر.

د- خمس حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.

“أي أن هناك أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها الأنثى مثل الذكر، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث الذكر، في مقابل أربع حالات للذكر فيها مثل حظ الأنثيين!”[2]

وهذا إن دل فإنما يدل على قصر نظر الطاعنين والمتشككين، وعدم دراستهم لأحكام الميراث بإنصاف وموضوعية.

ولكن قد يقول قائل: حتى ولو كان ميراث المرأة نصف الرجل قد قُرر في حالة واحدة فقط وليس أربعة.. فهو ظلم أيضا وهدر لكرامة المرأة وحقوقها المادية؟

هنا نوضح ونذكر ما ذكره العلماء المتخصصون في علوم الشريعة ومقاصدها..

“وهو أن الحكمة الإلهية في نظام الميراث اقتضت تحقيق العدالة، وفي الحالات المحدودة التي ترث فيها المرأة نصف الرجل، ليس هضما لحقها، ولا ظلما لها، وإنما هي العدالة والرعاية والعناية، فالمرأة في الإسلام، ذات مكانة ورعاية، فلا تُطالب بدفع مهر بل يُدفع لها، ولا تُطالب بالنفقة، وإنما يُنفق عليها، ولا تُطالب بالسكن، بل من حقوقها السكن، والنفقة ومتطلبات الحياة كثيرة وثقيلة، وعلى الرجل أن يقوم بتلك الأعباء، ومُطالب بالإنفاق على زوجته، حتى ولو كانت غنية. قال تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ…” (النساء: 34).”[3]

“فالذكر سيؤسس أسرة وينفق عليها.. بينما الأنثى سيعولها ذكر، وسيكون ميراثها ادخارا لجبر الاستضعاف الأنثوي، وللتأمين ضد المخاطر والتقلبات.. ولأن هذه هي فلسفة الإسلام في الميراث.. جاءت تطبيقاتها الواقعية امتيازا وتميزا للإناث على الذكور, على عكس ما يظن البعض!”[4]

“إنّ المرأة بغريزتها وطبيعة الأنوثة فيها تلقي عبئها في الحياة على كاهل الرجل حتى في البلاد التي ساد فيها مبدأ المساواة، نجد أنّ الرجل هو الذي يكد ويعمل ويكسب دائماً أما المرأة فقد تعمل وقد لا تعمل، وقد تكسب وقد لا تكسب، فعملها ليس هو القاعدة وليس هو الأصل الذي تبنى عليه حياة الأسرة.

 بل هو كالنافلة في حياتها فلا حساب له في الموازين الاقتصادية ولا وزن له في نظام المجتمع، وإذا كان الغرب نفسه لم يستطع إلى الآن أن يحقق في حياته العملية مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء لمجافاته للطبيعة البشرية وما استقرت عليه الحياة في مختلف العصور، فهل كان من الحكمة أن يشرّع الإسلام لمثل هذا الأمر العارض؟ ويساوي بين الرجل والمرأة مما لا تحتمل الطبيعة المساواة فيه، كلا إنّ الإسلام لا يشرع من القوانين والأنظمة إلا ما يخلد على مرّ الزمن لأنّه دين الحياة كلّها ودين الأجيال جميعاً، فلا يقرر من الأحكام إلا ما يتمشى مع الفطرة السليمة ويستقيم مع ما يصلح أمر الناس في كل زمان ومكان: دون التفات إلى النزعات البشرية الخاطئة التي تظهر في بعض المجتمعات أو العصور، ثمّ لا تلبث أن تندثر ويطويها الفناء كما طوى غيرها مما لا يصلح نظاماً للحياة”[5].

“إن فقه المرأة وأحكامها، يحتاج إلى تجديد وإظهار لعظمة التشريع الإسلامي في نظرته للمرأة، وأن نتخلى نحن عن أفكارنا المتوارثة عنها، والتي عند الدراسة والتأمل نجدها تبتعد كثيراً عن تشريعنا الإسلامي الحنيف، كقضايا ميراث المرأة، وشهادة المرأة، ودية المرأة، وأن كل هذه القضايا لا ينتقص الإسلام فيها من إنسانية المرأة، وكمال عقلها، وأهليتها لكل ما هي أهل له”[6].

الهوامش:

[1] – انظر: الإعجاز التشريعي في الميراث، عادل الصعيدي، موقع جامعة الإيمان http://www.jameataleman.org/main/articles.aspx?article_no=1750

[2] – لمعرفة الحالات تفصيليا يرجى العودة إلى مقال/ د. عبد الرحمن بدوي، ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات، مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند، يوليو 2011م ، العدد: 8 ، السنة: 35 http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1326797019fix4sub4file.htm

[3]– عيد صلاح، لماذا ترث المرأة نصف الرجل، موقع رسالة الإسلام http://main.islammessage.com/newspage.aspx?id=24223

[4] – د. محمد عمارة، فلسفة الإسلام في الميراث، صفحته الخاصة على موقع الفيس بوك https://www.facebook.com/Dr.Muhamed.Emara/posts/647655925295139

[5] – عيسوي أحمد عيسوي، أحكام المواريث، ص:20.

[6] – عصام تليمة، امتياز المرأة على الرجل في الميراث!!، هافينجتون بوست، http://www.huffpostarabi.com/Isam-Telima/-_4449_b_9388738.html

[ica_orginalurl]

Similar Posts